للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن التربية النافعة لأفراد الأسرة المسلمة، يجب أن تقوم على ميزان المراقبة واستشعار الخوف من الله تعالى، حينها ستجد ثماراً يانعة، وأشجاراً باسقة من فلذات الأكباد، وثمرات الفؤاد، وحينها لن تعجب حين تسمع أو تقرأ عن مثل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -، لما كان غلاماً صغيراً فبكى، فبلغ ذلك البكاء أمه! أرادت أن تعرف سر بكائه، فقالت له: ما يبكيك؟، هنا الخاطر يجول فيقول: لعله بكى لفقدان شيء ثمين؛ لأنه كان ثرياً، أو لأنه يريد النزهة فمنع، أو غيرها من التخمينات التي تجول في الخاطر، تبحث عن سر بكاء هذا الغلام! ولكن تفاجأ أشد المفاجأة، حين تعلم أن سر هذا البكاء، هو قوله: (ذكرت الموت) (١)، وما الذي يعني ذكر الموت لغلام! ولكنها التربية القائمة على الخوف والمراقبة، والجزاء والمحاسبة، تورث هذا الغلام وأمثاله.

يقول أبو عياش القطان: كانت امرأة بالبصرة متعبدة يقال لها منيبة وكانت لها ابنة أشد عبادة منها، فكان الحسن ربما رآها، وتعجب من عبادتها على حداثتها، فبينا الحسن ذات يوم جالس، إذ أتاه آت فقال: أما علمت أن الجارية قد نزل بها الموت، فوثب الحسن فدخل عليها، فلما نظرت الجارية إليه بكت، فقال لها: يا حبيبتي ما يبكيك؟ قالت له: يا أبا سعيد التراب يحثى على شبابي، ولم أشبع من طاعة ربي، يا أبا سعيد انظر إلى والدتي وهي تقول لوالدي: احفر لابنتي قبراً واسعاً، وكفنها بكفن حسن، والله لو كنت أجهز إلى مكة، لطال بكائي، كيف وأنا أجهز إلى ظلمة القبور، ووحشتها وبيت الظلمة والدود (٢).

لا يمكن التغلب على أفراد مجتمع، تفشت فيه أدواء الشهوة بجميع أشكالها وصورها، وألوانها، حتى أصبحت أمراً معتاداً، إلا بالتربية على الإيمان باليوم الآخر، ومتى خفي هذا المعنى من معاني التربية الإسلامية، فقل على الدنيا السلام.


(١) المزي: تهذيب الكمال، مؤسسة الرسالة - بيروت ن ط ١ ١٤٠٠ هـ، (٢١/ ٤٣٧).
(٢) ابن الجوزي: صفة الصفوة، دار الحديث - القاهرة، ١٤٢١ هـ (٢/ ٢٤٣)

<<  <   >  >>