للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام الغزالي في قاعدة حفظ الجوارح الظاهرة:" وأعمال الجوارح إنما تترشح من صفات القلب، فإذا أردت حفظ الجوارح، فعليك بتطهير القلب، فهو تقوى الباطن، والقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح بها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد، فاشتغل بإصلاحه؛ لتصلح به جوارحك، وصلاحه يكون بملازمة المراقبة" (١).

إن حفظ الجوارح عن المحارم، سبب لحفظ الله تعالى للعبد، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: (يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ تجده تجاهك ... ) (٢).

إن الجزاء من جنس العمل، فمن حفظ الله في أوامره ونواهيه، حفظه الله تعالى في نفسه، وأهله، وماله، ودينه، وإيمانه.

يقول الإمام ابن دقيق العيد:" (احفظ الله يحفظك)، ومعناه: كن مطيعاً لربك، مؤتمراً بأوامره، منتهياً عن نواهيه" (٣). أي: كن حافظاً لحدوده وحقوقه، وأوامره ونواهيه.

يقول الإمام ابن رجب:" وحفظ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده، فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إلى ما ينهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله، الذين مدحهم الله في كتابه، وقال عز وجل: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (٥٣)} [ص:٥٣]، وفُسِّر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله، وبالحافظ لذنوبه؛ ليتوب منها" (٤).

ومما يجب حفظه هذه الجوارح، فيحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى فيحفظ سمعه، وبصره، ولسانه، وبقية جوارحه عن المحارم، ومن حفظها في الصغر، حفظها الله له في الكبر.


(١) الغزالي: بداية الهداية، دار المنهاج جدة، ط ١ ١٤٢٥ هـ، ص (٥٨)
(٢) أخرجه الترمذي \كتاب صفة القيامة، باب ٥٩ ح (٢٥١٦) , وقال الترمذي: حسن صحيح.
(٣) ابن دقيق العيد: شرح الأربعين النووية، مؤسسة الريان، ط ٦ ١٤٢٤ هـ، ص (٧٦)
(٤) ابن رجب: جامع العلوم والحكم، مؤسسة الرسالة - بيروت ن ط ٧ ١٤٢٢ هـ، (١/ ٤٦٢)

<<  <   >  >>