للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام ابن رجب:" ومن حفظ الله في صباه وقوته، حفظه الله في حال كبره، وضعف قوته، ومتعه بسمعه، وبصره، وحوله، وقوته، وعقله. كان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة، وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبة شديدة، فعوتب في ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ... فحفظها الله علينا في الكبر، وعكس هذا: أن بعض السلف رأي شيخاً يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره، فضيعه الله في كبره " (١).

ومن حفظ الله في صحته حفظه الله في مرضه، يقول العلامة شمس الدين المنبجي:" فمن خاف الله وحفظه في صحته، حفظه الله في مرضه، ومن راقب الله في خطر، حرسه الله في حركاته وسكناته، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ»، وفي قصة يونس عليه السلام: لما تقدم له عمل صالح، قال: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤].

ولما لم يكن لفرعون عمل خير قط، لم يجد وقت الشدة متعلقاً، فقيل له: ... {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)} [يونس:٩١]، فمن ضيع الله في صحته، فإنه يضيع في مرضه" (٢).

فالإيمان باليوم الآخر، "هو صمام الأمان في هذه الأرض، وهو الضابط الوثيق الذي يحرس الأخلاق، والحارس الأمين الذي يضمن تنفيذ الشريعة في هذه الدنيا، فهو الذي يمنع لحظة العين أن تمتد إلى محرم، ويمنع النفس أن تهجس بهواجس الشر، ويردع الفم أن يهمس ولو بكلمة واحدة لا يرضاها ربه؛ لأنها كلها مسجلة معروضة محصية عليه، أنفاسه وكلماته وحركاته " (٣).


(١) ابن رجب: جامع العلوم والحكم، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط ٧ ١٤٢٢ هـ، (١/ ٤٦٢)
(٢) المنبجي: تسلية أهل المصائب، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٦ هـ، ص (٢٨)
(٣) عبد عزام: العقيدة وأثرها في بناء الجيل، وزارة الأوقاف السعودية، (٣٠)

<<  <   >  >>