للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الصفح الجميل: هو الرضا بلا عتاب ... وقال سهل: بلا حقد ولا توبيخ بعد الصفح، وهو الإعراض الجميل (١).

فالعفو والصفح من مظاهر حسن الخلق، وهو دليل على صفاء النفس وطيب المعدن، ونقاء السريرة، وسعة الصدر، وحسن الظن، مع ما فيه من رفعة وعزة الإنسان، ودلالة على كمال إيمانه، وحسن إسلامه.

ولذا ينبغي على المرء، توطين نفسه على "لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة، إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهيجها أشد من الاستعمال بمثلها" (٢).

وهذه الدرجة العالية في الصفح، بل وتقريب من يُقصيك، والعفو عمن يُعاديك، لم تكن لأحد على وجه الكمال إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم للورثة منه قدر سهامهم من التركة.

وممن حاز هذا الإرث الكبير، الإمام ابن تيمية، يقول الإمام ابن القيم:" وما رأيت أحداً قد أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه- وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي، مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.

وجئت يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي، واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة، إلا وساعدتكم فيه، ونحو من هذا من الكلام، فسروا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه" (٣).

ب) الإحسان:


(١) التستري: تفسير التستري، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٢٣ هـ، ص (٨٩).
(٢) أبو حاتم بن حبان: روضة العقلاء، دار الكتب العلمية - بيروت، ص (١٦٦).
(٣) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (٢/ ٣٢٨)

<<  <   >  >>