للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان "في العفو والصفح والحلم من الحلاوة، والطمأنينة، والسكينة، وشرف النفس وعزها، ووقفها عن تشفيها بالانتقام، ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام" (١)، حثت عليه الشريعة، ورغبت فيه، وأمرت به، قال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [هود:١٠٨] {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور:٢٢]، وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)} [المائدة:١٣]، وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:٤٠]، وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩].

العفو والصفح من شيم الكرام، لأن منشؤه محبة الله تعالى، وطلب مرضاته والفوز بما أعده لهم من خير في الدنيا، من معيته سبحانه وتعالى لهم، وفي الآخرة من الفضل العظيم، يقول جل وعلا: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٤]، يقول الحسن: أفضل أخلاق المؤمن العفو (٢).

ولذا كان هو خلق الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصفح الجميل، فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)} [الحجر:٨٥].


(١) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (٢/ ٣٠٣).
(٢) ابن مفلح: الآداب الشرعية، عالم الكتب - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (١/ ٧١).

<<  <   >  >>