وفي هذه اللحظات المريرة، التي تُعبِّر عن مكامن الضعف الإنساني والخلل الوجداني، تجد هذه النفوس من يحي فيها الأمل، ويجدد لها مستقبل العمل، فيفتح لها آفاق الحياة الحقيقية، التي تهون عندها كل المصاعب.
فالصحابة الأوائل رضي الله عنهم، لما لاقوا ما لاقوا من الشدائد وآلام التعذيب، جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طالبين منه أن يدعو لهم، في أن يخلصهم الله تعالى مما حل بهم من الكرب والشدة، فإذا بكلمات من الرسول الشفيق الرحيم، تنزل على قلوب المؤمنين برداً وسلاماً، يستعذبون بعدها ما كانوا يجدونه من ألم، وما كانوا يعانونه من شدة، يقول لهم:«كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(١).
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام ح (٣٦١٢).