للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرج الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (١).

الهمة العالية في الطاعة، ليست مستلزمة لترك ملاذ الدنيا، وما أحل الله جل وعلا فيها، فالعبادة مع الحياة تمثل علاقة تكامل، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، وهذه أعمال لا يقوم بها إلا أهل الهمم الصلبة، والنفوس الزكية الأبية.

يقول الإمام ابن القيم: "فالهمة العالية على الهمم، كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمة كلما علت، بعدت عن وصول الآفات إليها (٢).

ويصدق عليهم قول القائل:

له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر

له راحة لو أن معشار جودها على البر كان البر أندى من البحر (٣)


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح ح (٥٠٦٣) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة ح (١٤٠١).
(٢) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (٣/ ١٦٣)
(٣) وهو قول بكر بن النطاح، قاله للقاسم بن عيسى، انظر: المبرد: الكامل في اللغة والأدب (٣/ ٩٥).

<<  <   >  >>