للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن هذا التآخي جعل المسلمين كرجل واحد: يؤمن بعقيدة واحدة، ويعمل لهدف واحد، بإمرة قائد واحد (١). الأخوة الصادقة هي التي تؤتي ثمارها في الدنيا قبل الآخرة، بخلاف الأخوة المزيفة، التي بنيت على المصالح المادية فقط، فسرعان ما تنهار، أما في الآخرة فالقرآن أبان العلاقات الباقية والمنتهية، يقول المولى جل وعلا: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)} [الزخرف:٦٧]، في ذلك اليوم العظيم تنقطع كل خلة بين المتخالين في غير ذات الله تعالى، وتنقلب عداوة ومقتاً، إلا خلة المتصادقين في الله تعالى، فإنها الخلة الباقية (٢).يقول الإمام ابن عطية عن القيامة:" وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها، يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى؛ لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه" (٣).

إن الحافز لحسن الصحبة، وكمال المودة، وصفاء الأخوة، هو الإيمان بما أعده الله تعالى للمتحابين في الآخرة، من الخير العميم، والفضل الكبير:

فالأخوة الصادقة، سبب من أسباب الاستظلال بظل العرش يوم القيامة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، ....... وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ..... «(٤).


(١) محمود شبث خطاب: الرسول القائد، دار الفكر - بيروت، ط ٦ ١٤٢٢ هـ، ص (٧١).
(٢) النسفي: مدارك التنزيل، دار الكلم الطيب - بيروت، ط ١ ١٤١٩ هـ (٣/ ٢٨٠)
(٣) ابن عطية: المحرر الوجيز، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٥/ ٦٣)
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين ح (١٤٢٣) , وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة ح (١٠٣١).

<<  <   >  >>