للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الأجواد الأسخياء أهل الآخرة، الذين ينظرون بمنظار الإيمان، ويزنون بميزان الإحسان والإتقان، ويؤملون كرم الرحيم الرحمن، فإنهم يأخذون ويُعطون، فلا يستكثرون ولا يدخرون، فإن مُنعوا شكروا، وإن ضُيق عليم حمدوا، وإن اُعطوا بذلوا وآثروا، فهم الزاهدون في الدنيا؛ لأنهم موقنون فكفاهم اليقين غنى (١).

يقول الإمام المرداوي:" والبذل على وجهين: أحدهما: ما ابتدأ به الإنسان من غير سؤال، والثاني: ما كان عن طلب وسؤال. فأما المبتدئ به، فهو أطبعهما سخاءً، وأشرفهما عطاءً " (٢).

إن الإيمان باليوم الآخر، له أثر على الأفراد لا يقف عند حدود البذل والعطاء، بل يتعدى ذلك إلى تحمل مقاساة الألم، والإيثار بالخير للغير يقول تعالى عن أوليائه وأصفيائه، وخيرته من خلقه بعد نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} [الحشر:٩].

الإيمان باليوم الآخر يسلَّ سخيمة القلوب، من الغل، والحقد، والحسد وكذا البخل، ولذا قيل: إن حقيقة الجود: أن لا يصعب عليك البذل (٣).

والعجب أن بعض البشر قد فُطر على حب الجود والكرم، حتى اختلف فيهم الناس، هل الباذلون دون سؤال ولا سبب، بل لسجية فُطروا عليها ... وشيمة قد طُبعوا بها، هل يكون هذا منسوباً إلى السخاء (٤)؟


(١) أبو طالب المكي: قوت القلوب، دار الكتب العلمية - بيروت: (٢/ ٣٢٨ بتصرف).
(٢) الماوردي: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة، ١٩٨٦ م، ص (١٨٨).
(٣) القشيري: الرسالة القشيرية، دار المعارف - القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (٢/ ٤٠٣).
(٤) الماوردي: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة، ١٩٨٦ م، ص (١٩١).

<<  <   >  >>