للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن العدل في كل الأمور هو الوسط، يقول الإمام الغزالي عن التصرف في المال: "ويمكن التصرف فيه بالعدل، وهو أن يُحفظ حيث يجب الحفظ ويُبذل حيث يحب البذل، فالإمساك حيث يجب البذل بخل، والبذل حيث يجب الإمساك تبذير، وبينهما وسط وهو المحمود، وينبغي أن يكون السخاء والجود عبارة عنه " (١). والبذل والعطاء، هما إحدى القوى النفسية الثلاثة التي يكون بها صلاحها، وسعادتها، وبفسادها يكون فسادها وشقاوتها (٢).

وقد تعدى البذل والعطاء الكائن البشري، إلى الكائن البهيمي الحيواني فقد قيل لشخص: من علمك حسن الإيثار، والسماحة بالبذل؟ فقال: من علم الديك يصادف الحبة في الأرض، وهو يحتاج إليها فلا يأكلها، بل يستدعى الدجاج ويطلبهن طلباً حثيثاً، حتى تجيء الواحدة منهن فتلتقطها وهو مسرور بذلك طيب النفس به، وإذا وضع له الحب الكثير، فرقه هاهنا وهاهنا، وإن لم يكن هناك دجاج؛ لأن طبعه قد ألِف البذل والجود، فهو يرى من اللؤم، أن يستبد وحده بالطعام (٣).

إن أعظم الناس جوداً وكرماً، وأنبلهم عطاءً وبذلاً، بحيث لم تر الدنيا له مثيل، ولم تعرف له نظير، هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه " أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ (٤)، وكان يعطي العطاء الوفير، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.


(١) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٣/ ٢٥٩).
(٢) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، ص (٦٠).
(٣) ابن القيم: شفاء العليل، دار المعرفة - بيروت، ١٣٩٨ هـ، ص (٧٥).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب كيف بدء الوحي ح (٦) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ح (٢٣٠٨).

<<  <   >  >>