للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمثال هذه النظريات العقلية التي سلكوها بعقولهم، وظنوا موافقتها للشرع، انتهت بهم إلى الحيرة والاضطراب، يقول الإمام ابن القيم: " أما المتكلمون الذين عدلوا عن الاستدلال بالأدلة السمعية إلى الأدلة العقلية، في المسائل الكبار كمسألة حدوث العالم، ... ومسألة الجوهر الفرد، وهل الأجسام مركبة منه أم لا؟ ومسالة الكلام وحقيقته، وأضعاف ذلك من المسائل التي عولوا فيها على مجرد عقل أفضلهم، وأشدهم حيرة وتناقضا واضطرابا فيها لا يثبت له فيها قول، بل تارة يقول بالقول ويجزم به، وتارة يقول بضده ويجزم به، وتارة يحار ويقف وتتعارض عنده الأدلة العقلية " (١)

ومما يدل على التناقض حيال هذه النظرية:

أن المتكلمين " لما كان أصل رأيهم في ابتداء الخلق إثبات الجوهر الفرد وجعلوه أيضًا في المعاد والبعث، ولكن اختلفوا بين رأيين:

أحدهها: تعدم الجواهر ثم تعاد.

الثاني: تتفرق الأجزاء ثم تجتمع.

ولكن هذين الرأيين أثارا صعوبات أمامهم، في مواجهة الفلاسفة المنكرين لبعث الأبدان، حيث تساءل هؤلاء الفلاسفة عن الآتي:

(١) - الإنسان الذي يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان آخر، فإن الأجزاء في هذه الأجساد قد اختلطت.

(٢) - إن الإنسان يتحلل دائمًا، فما الذي يعاد، أهو الذي كان وقت الموت؟ فإن أجيب بالإيجاب، لزم أن يعاد على صورة ضعيفة، وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك ليس بعض الأبدان بأولى من بعض أي أنها تتفاوت في القوة والضعف.

واضطر المتكلمون أمام هذه الصعوبات إلى القول: بأن الله تعالى يخلق بدنًا آخر تعود إليه الروح، فالمقصود تنعيم الروح وتعذيبها سواء كانت في هذا البدن أو في غيره.


(١) ابن القيم: الصواعق المرسلة: (٢/ ٦٦٣)، ابن تيمية: الفتاوى الكبرى،: (٦/ ٥٥٧)، ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: (١/ ١٥٩)، محمد ملكاوي: عقيدة التوحيد في القرآن: ص (٣١٦).

<<  <   >  >>