الَّتِى تشنف الاسماع والأشعار المهذبة للطباع والحكايات عَن الأقطار الْبَعِيدَة وَأَهْلهَا وعجائبهابحيث يظن السَّامع أَنه قد عرفهَا بِالْمُشَاهَدَةِ وَلم يكن الأمر كَذَلِك فإنه لم يعرف غير الْيمن والحرمين وَلكنه كَانَ باهر الذكاء قوي التَّصَوُّر كثير الْبَحْث عَن الْحَقَائِق فاستفاد ذَلِك في أَيَّام مجاورته في الْحَرَمَيْنِ لوفود أهل الأقطار الْبَعِيدَة إلى هُنَالك وَكنت أَظن عِنْد ابْتِدَاء اتصالي بِهِ أَنه قد عرف بِلَاد مصر لِكَثْرَة حكاياته عَن أَهلهَا وَعَن عجائب وغرائب مَوْجُودَة فِيهَا في عصره لَا فِيمَا تقدم فإنه لَا يستنكر ذَلِك لِأَنَّهُ قد صنّف النَّاس في أَخْبَارهَا مصنّفات يَسْتَفِيد بهَا من أكبّ على مطالعتها مَا يقرب من الْمشَاهد كالخطط والْآثَار للمقريزي وَحسن المحاضرة في أَخْبَار مصر والقاهرة للسيوطي إنما الشَّأْن فِيمَا يحكيه صَاحب التَّرْجَمَة على ماجرت في عصره فإن ذَلِك هُوَ الأمر العجيب الدَّال على اخْتِصَاصه بمالا يقوم بِهِ غَيره
(لَيْسَ على الله بمستنكر ... أَن يجمع الْعَالم في وَاحِد)
وَله في حسن التَّعْلِيم صناعَة لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره فإنه يجذب الى محبته وإلى الْعَمَل بالأدلة من طبعه أكثف من الصخر وإذا جالسه منحرف الْأَخْلَاق أَو من لَهُ في الْمسَائِل الدِّينِيَّة بعض شقَاق جَاءَ من سحر بَيَانه بِمَا يؤلف بَين المَاء وَالنَّار وَيجمع بَين الضَّب وَالنُّون فَلَا يُفَارِقهُ إِلَّا هُوَ عَنهُ رَاض وَلَقَد كنت أرى مِنْهُ من هَذَا الْجِنْس مَا يزْدَاد مِنْهُ تعجبى ولذاتم خَبره بأحوال النَّاس وَبِمَا يَلِيق بِكُل وَاحِد مِنْهُم وَمَا يُنَاسِبه ومالا يُنَاسِبه وَله في علم الطِّبّ مُشَاركَة قَوِيَّة وَله في كل الصناعات العملية كائنة مَا كَانَت أتمّ اختبار وَكَانَ النَّاس يقصدونه على اخْتِلَاف طبقاتهم فَأهل