الْعلم يقصدونه ليستفيدوا من علمه والأدباء ليأخذوا من أدبه ويعرضوا عَلَيْهِ أشعارهم والمحاويج يأتونه ليشفع لَهُم عِنْد أَرْبَاب الدُّنْيَا ويواسيهم بِمَا يُمكنهُ وَكَرمه كلمة اجماع والمرضى يلوذون بِهِ لمداواتهم وغرباء الديار من أهل الْعلم ينزلهم في منزله ويفضل عَلَيْهِم بِجَمِيعِ مَا يحتاجونه وَيسْعَى فِي قَضَاء أغراضهم ونيل مطالبهم وَهُوَ مَقْبُول الشَّفَاعَة وافر الْحُرْمَة عَظِيم الجاه وَبِالْجُمْلَةِ فَلم ترعينى مثله في كمالاته وَلم آخذ عَن أحد يُسَاوِيه في مَجْمُوع علومه وَلم يكن بالديار اليمنية في آخر مدَّته لَهُ نَظِير وَكَانَ لما جبل عَلَيْهِ من حسن الْأَخْلَاق لَا يبدى من علومه عِنْد المناظرة مَا يَنْقَطِع بِهِ من يناظره لاسيما إذا كَانَ من يناظره من الْمُقَصِّرِينَ كل ذَلِك محبَّة مِنْهُ لجبر الخواطر وائتلاف الْقُلُوب وَرُبمَا يتأثر عَن ذَلِك لبَعض من لم يحط بِهِ خَبرا أَنه لَيْسَ كَمَا يَقُول النَّاس فِي التفرد بِالْعلمِ وَقد سَمِعت هَذَا من كثير من الَّذين لم يبلغُوا فِي الْعلم مبالغ الْكَمَال وَلَو عرفوه كَمَا عرفه أهل الْكَمَال الممارسون لَهُ لعلموا بَان الْحَامِل لَهُ على التسامح فِي مناظرتهم مَا جبل عَلَيْهِ من سحاحة الْخلق وَكَانَ رَحمَه الله لَا يتَعَرَّض لتنقيص أحد كَائِنا من كَانَ بل يذكر من كل أحد مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من المحاسن ويغطى عَن مساويه وَهُوَ أعرف بهَا من غَيره ويبالغ في وصف من لَهُ اشْتِغَال بِالْعلمِ وينشر من محاسنه مَالا يسمح بِهِ غَيره بعبارات تعشقها الْقُلُوب وترتشفها الأسماع وَتقبل عَلَيْهَا الطباع وَهُوَ رَحمَه الله من جملَة من رغّبني فِي تأليف شرح على الْمُنْتَقى فشرعت فِيهِ فِي حَيَاته وَعرضت عَلَيْهِ كراريس من أَوله فَقَالَ إِذا كمل على هَذِه الْكَيْفِيَّة كَانَ فِي نَحْو عشْرين مجلداً وَأهل الْعَصْر لَا يرغبون فِيمَا بلغ من التَّطْوِيل الى دون هَذَا الْمِقْدَار ثمَّ أرشدني إِلَى الِاخْتِصَار فَفعلت