للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية أنَّ بعض المنافقين حاولوا اغتيال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إحدى الغزوات. أقول: لا ينكر أن الهمَّ قد يفسر بالعزم في لغة العرب، ولكنّ الذي يستنكر ولا يوافق عليه أن يقال: إنَّ كلّ همّ عزم، فهذا غير صحيح. فالهمّ منه ما يكون عزما كما سبق بيانه، ومنه ما ليس بعزم، يقول الِإمام أحمد: "الهم همان: همّ خطرات، وهم إصرار" (١).

فمن الهمّ الذي ليس بعزم همّ يوسف -عليه السّلام- على القول بأنّه همّ، إذ لم يكن همه عزما بالتأكيد.

ومنه هم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتحريق بيوت الذين لا يشهدون الجماعة "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثمَّ أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم" (٢).

ومنه همّ عبد الله بن مسعود عندما همَّ بالجلوس وتَرْك الرسول -صلى الله عليه وسلم- واقفا في صلاة الليل: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم" (٣).

فهمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم عند الله، لم يكن عزما، إذ لو كان عزما لوقع مرادهما، لأن العبد إذا أراد إرادة جازمة، وكان الفعل المراد مقدورا، فلا بد من وقوع الفعل المراد. فلمّا لم يقع ما هم به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هم به عبد الله - علمنا أن الإرادة عندهما لم تصل إلى درجة الجزم.

ومما اختلف فيه العلماء قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الاستخارة: "إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمَّ ليقل ... " (٤) الحديث.


(١) مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٠/ ٧٤٠).
(٢) صحيح البخاري (٥ - الخصومات)، الفتح (٥/ ٧٤).
(٣) صحيح البخاري (٩ - تهجد)، الفتح (٣/ ١٩).
(٤) صحيح البخاري (٢٥ - تهجد).

<<  <   >  >>