للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النهار، ومن أتى به فقد أتى بالمأمور به، فيخرج عن العهدة، وفيه دلالة على أنَّ الإمساك في أول النَّهار يقع صوما وجدت فيه النيَّة أو لم توجد، لأنَّ إتمام الشيء يقتضي سابقية وجود بعض منه، ولأنَّه صام في وقت متعين شرعا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه.

هكذا احتج صاحب بدائع الصنائع بالآية الكريمة (١).

ونحن نخالفه في عدّة أمور:

الأول: نخالفه في أن "الأمر بالصوم أمر بالنيّة"، وتعليله لذلك بأنّه "لا صحة للصوم شرعا بدون النيّة".

ذلك أنّ وجوب النية في الصوم غير مأخوذ من مجرد الأمر بالصوم، بل من أدلّة أخرى منفصلة، كقوله تعالى: {وَمَا أمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (٢).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالنيّات" (٣)، وبناء على ذلك فليس الأمر بالصوم أمرا بالنية.

ثانيا: إذا تقرّر الأمر السابق بطل ما بناه عليه من أن الشارع أمر بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار، ولو كان قوله هذا حقّا لكان الأفضل أن نأتي بالنية بعد طلوع الفجر، وهذا لم يقل به أحد، حتى ولا الأحناف الذين يجيزون النية من النهار.

ثالثا: أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيّن هذه الآية كما بيّن غيرها من الآيات بقوله: "لا صوم لمن لم يبيّت الصيام من الليل"، فوجب أن نأخذ ببيانه.

رابعا: ونخالفه في أنّ الإمساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أم لم توجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيّات"، وهذا لم ينو فكيف يقع صوما ولم توجد منه نيّة، ويلزم بناء على قوله: أن من أصبح ناويا الإفطار في رمضان أن يكون صائما إذا لم يأكل أو يشرب أو يجامع.


(١) بدائع الصنائع (٢/ ٨٦).
(٢) سورة البينة (٥).
(٣) انظر ملحق الكتاب.

<<  <   >  >>