للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زكاة فليس من باب النيابة، لأن الموكَّل -بالفتح- بمثابة الآلة، أشبه ما لو أرسل المال إلى الفقراء بالبريد أو بواسطة المصرف (البنك).

ويلزم -بناء على ذلك- جواز تحمل شخص ما الزكاة عن غيره، وهذا ما دل عليه حديث أبي هريرة -ضي الله عنه- قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد (١)، وعباس (٢) عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلاَّ أنه كان فقيرا، فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله تعالى، وأما العباس فهي عليَّ ومثلها معها، ثم قال: أما شعرت يا عمر أن عمّ الرجل صنو أبيه" (٣).

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- تحمَّل زكاة عمه العباس.

وقد حاول بعضهم ردّ الحديث بحمله على الصدقة المستحبة، وهذا بعيد كما يقول النووي (٤)، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما كان يبعث عمالا إلا في زكاة المال، وما كان هؤلاء ليلاموا لو منعوا الصدقة المستحبّة. وصرف بعضهم الحديث عن وجهه زاعما أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قصد بقوله: "فهي علي ومثلها": أننا تسلّفنا من العباس زكاة سنتين، قالوا: يشهد لذلك ما ورد أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنا كنَّا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين" (٥).


(١) هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، سيف الله، الفاتح الكبير، كان من أشراف قريش في الجاهلية، وأصبح في الإسلام قائد الجيوش، الذي لا تنكّس له راية، ولا تثبت أمامه قوة. توفي في عام (٢١ هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب ٣/ ١٢٤).
(٢) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حضر بيعة العقبة كافرا، هاجر قبل الفتح بقليل، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجلّه ويوقره، توفي عام (٣٢ هـ).
راجع: (خلاصة تذهيب الكمال ٢/ ٣٥)، (الكاشف ٢/ ٦٦).
(٣) رواه البخاري ومسلم وأحمد (مشكاة المصابيح ٢/ ٥٦٠)، وليس في رواية البخاري ذكر عمر ولا ما قيل له.
(٤) شرح مسلم (٧/ ٥٦، ٥٧).
(٥) رواه أبو داود الطيالسي ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا. قاله ابن حجر (تلخيص الحبير ٢/ ١٦٣).

<<  <   >  >>