للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أعمال القلوب- لا تحتاج إلى نيّة (١).

وحجّتهم فيما ذهبوا إليه أن النية شرعت لتمييز العبادة عن العادة، ولتمييز رتب العبادات، وهذه الأعمال عادات لا تكون عادات ولا تلتبس بغيرها، فهي منصرفة إلى الله تعالى بصورتها.

وقد يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الَأعْمَالُ بِالنِياتِ"، فالأعمال شاملة لأعمال الأبدان والقلوب، وقد احتج البخاري بهذا الحديث على وجوب النيّة في الِإيمان (٢)، واستمع لقول ابن دقيق العيد "ما يتعلق بالجوارح وبالقلوب قد يطلق عليه عمل" (٣).

ويقول القسطلاني: "وربَّما أطلق -أي العمل- على حركةِ النفس فعلى هذا يقال: العمل إحداث أمر قولا كان أو فعلا بالجارحة أو بالقلب" (٤).

ولهذا ذهب بعض المتأخرين إلى إيجاب النية في أعمال القلوب، محتجا بأن أعمال القلوب داخلة في قوله عليه السلام: "إنَّمَا الَأعْمَالُ بالنّيَّات"، وجعل الحركة المأخوذة في تعريف الفعل أعمّ من الحركة الحسّيّةِ والمعنوية. واستدل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الَأعْمَالِ إِيمَان بِالله وَرَسولهِ" (٥).

وهذا المذهب بعيد المأخذ، مخالف لقول العلماء الأعلام، فالعمل في اللّغة حركة البدن، وعندما يطلق العمل ينصرف الذهن مباشرة إلى عمل الجوارح، يقول ابن دقيق العيد: "الأسبق إلى الفهم تخصيص العمل بأفعال الجوارح" (٦).


(١) الحطاب على خليل (١/ ٢٣٢)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص ١٢، ١٣)، الذخيرة (١/ ٢٣٧)، قواعد الأحكام (١/ ١٧٧).
(٢) انظر الفتح ١/ ١٣٥، قال البخاري: "باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرىء ما نوى، فدخل في الإيمان والوضوء ... ".
(٣) إحكام الأحكام (١/ ٦٨).
(٤) إرشاد السارى (١/ ٥٣).
(٥) العدة (١/ ٦٨)، والذي قال بوجوب النية في أعمال القلب إبراهيم الكردي كما يذكر الصنعاني في العدة، والحديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي بن كعب.
(٦) إحكام الأحكام (١/ ٦٨).

<<  <   >  >>