للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعميم الفعل على الحركة الحسية والمعنوية محل وقف، فاللغوي لا يقصد بالحركة إلاّ الحسيّة، فإذا رأينا رجلا ساكنا لا نصفه بالحركة، وإن كان مشغول القلب، ولا يثبت للقلب صفة الجوارح إلاّ مجازا من باب قول الشاعر: (١)

وَتَلَقتْ عينِي فمُذْ خَفَيِتْ ... عَنْهَا الطلُول تَلَفَّتَ الْقَلْبُ

أما استدلاله بالحديث: "أفضَلُ الَأعْمَال إيمان بِالله وَرَسوله"، فهذا لا يتمّ إلاّ على قول المرجئة (٢): "إن الإِيمان إنّما هو تصديق القلب فقط".

أما على قول أهل السنة والجماعة فإنَّ الإيمان عندهم: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، فلا يتم له الاستدلال بالحديث، لأن الإيمان عندهم -كما رأيت- يطلق على ثلاثة أمور: اثنان منهما أعمال لغوية، فإطلاق العمل على المجموع إنَّما هو من باب التغليب، فلا يدلّ على أنّه أطلق على فعل القلب عمل.

وبمثل هذا وجّه ابن حجر مراد البخاري من إدخاله الإِيمان في الأعمال، فمذهب البخاري أن الإِيمان اعتقاد، وقول، وعمل، فهو لا يريد بالإيمان مجرد التصديق، إذ لا يحتاج إلى نيّة كسائر أعمال القلب لأنّها متميزة لله تعالى (٣).

وبمثل هذا وجه الكرماني قول من أوجب السنة في التوحيد أنّ المراد به كلمة التوحيد (٤).

ويرى بعض العلماء أن النية أمر ملازم لأعمال القلوب، لا يحتاج العبد إلى القيام به، فأعمال القلوب لا يمكن أن تقع إلا منويّة، وإذا فقدت النيّة منها فقدت


(١) العدة (١/ ٦٨).
(٢) المرجئة هم الذين أرجؤوا العمل عن الإيمان، أي أخروه، فلم يدخلوه في مسماه، فالإيمان عندهم التصديق القلب فحسب، والإيمان عند الأئمة الثلاثة اعتقاد وقول وعمل، وعند أبي حنيفة فالإيمان هو اعتقاد وقول، وجعل الأعمال نتيجة وأثرا للاعتقاد، ومكان المسألة كتب التوحيد والعقائد.
(٣) فتح الباري (١/ ١٣٥).
(٤) الكرماني على البخاري (١/ ٢٠).

<<  <   >  >>