للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَحى اللُّه صُعْلوكًا مُناه وَهَمُّه ... من العيش أن يلقي لبوسا ومطعمًا

يَرَىَ الْخُمْصَ تَعْذِيبًا وَإنْ يَلْق شبْعَة ... يَبِتْ قلبه من قلة الهم مبهًا

ومن الناس من يكون مطلبه التمتع بمتاع الحياة الدنيا كحال طرفة بن العبد (١) الشاعر الجاهلي حيث يقول: (٢)

وَلَوْلاَ ثَلَاثُ هنَّ مِنْ عِيشة الْفَتَى ... وَجَدِّكَ لَم أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُودِي

فَمنْهُن سَبْقِي العَادِلَاتِ بِشَرْبَةٍ ... كُمَيْتٍ مَتى مَا تُعْلَ بالمْاءِ تُزْيدِ

وَكَرِّي إِذَا نَادَى الفضَاف مُحَنَّبًا ... كيد الْغَضَا نَبهتهُ المتَوَردِ

وَتَقْصِيرُ يَوْمِ الدجنِ وَالدَّجْن معْجِبٌ ... بِبَهْكَنَةٍ تحْتَ الْخِبَاءِ الْمُعمَّدِ (٣)

كثير من الناس همّه من دنياه همّ هذا الشاعر المسكين، شربة خمر، والتمتع بامرأة حسناء، وقليل من النّاس تنهض همته إلى الدفاع عن الخائف المستجير.

وقد يكون مسعى الناس ومطلبهم أمورا يعدّ طالبها سامي الهمّة عالي القصد كحال امرىء القيس (٤)، عندما أفاق من سكره وعبثه على زوال ملك أبيه، فانقلب جادّا طالبا إعادة هذا الملك (٥):

فلو أَنَّ ما أَسْعى لِأدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ الْمَالِ

وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثّلٍ ... وَقَدْ يدْرِك الْمَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثَالِي


(١) طرفة بن العبد بن سفيان البكري الوائلي شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، أشهر شعره معلقته التي هي إحدى المعلقات السبع، توفي شابا في البحرين سنة (٦٠) قبل الهجرة. راجع الأعلام (٣/ ٣٢٤).
(٢) شرح المعلقات للزوزني ص ٨٢، ٨٣.
(٣) الجدّ: الحظ والبخت، والعوّد: جمع عائد من العيادة، والعاذلات: جمع عاذلة والعذل الملامة. والكميت اسم من أسماء الخمر فيها حمرة وسواد. والكر: العطف. والمحنّب: الذي في يده انحناء، والسيد: الذئب. والغضا: الشجر. وقصرت الشيء: جعلته قصيرا. والدجن: إلباس الغيم آفاق السماء. والبهكنة: المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة. والمعمد: المرفوع بالعمد.
(٤) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أشهر شعراء الجاهلية على الإطلاق يماني الأصل، مولده بنجد سنة (١٣٠) قبل الهجرة، وكان والده ملك غطفان، توفي سنة (٨٠) في الهجرة.
راجع: (الأعلام ١/ ٣٥١).
(٥) عيون الأخبار (١/ ٢٣٥).

<<  <   >  >>