ما يشهدونه من ذلك مؤيدا وممدّا لما في قلوبهم من إخلاص الدّين، وتجريد التوحيد لله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (١).
وحسبنا أن نعلم أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- عرج به إلى السموات العلا، وعاين هناك ما عاينه من الآيات، وأوحى الله إليه ما أوحى من أنواع المناجاة، وأصبح في غداة تلك الليلة في مكة، لم يتغير حاله، ولا ظهر عليه ما يظهر على العباد حال الذكر والمناجاة، ولا غابت عنه المخلوقات حال عروجه.
وقد أخطأ بعض السالكين خطأ قريبا من هذا، فظن أنَّ الطريقة الكاملة للعبد ألّا تكون له إرادة أصلا، وأن مرادهم هو ما يقدره الرب، ويرون أن هذا هو القيام بالحقيقة العظمى، وقالوا: إن هذا النهج يجمع على المرء قلبه، فلا تتفرق به السبل، لأنَّه لا يرى للمخلوقات أفعالا، ولا يرى إلاّ الله وحده، وهؤلاء يتناقضون، فقد يقع من العبد الفسق والفجور والقتل وغير ذلك مما أذن الله في كونه وقدره، ولكنَّه كرهه من العبد وأبغضه، فكان لا بد للعبد من أن ينظر إلى الأمور لا من حيث هي مقدّرة كائنة، بل من حيث كونها مأمورا بها أو منهيا عنها، فيريد العبد ما أمر به، ويقصر عما نُهي عنه، فالمريد ما قدر عليه، سيقع في المحرمات، ويترك الواجبات، ثم يزعم أنه قائم بالحق، لأن هذا فعل الله فيه، لا فعله هو، وما دام الأمر كذلك فلا تثريب عليه، وهذا ضلال وبُعْد عن الحق. فليس الحقّ في ألا يريد العبد شيئًا، ولا أن يريد كلّ ما هو واقع وكائن، بل يريد مراد الله، ويحبّ ما أحبه.