للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد وردت نصوص كثيرة تخالف ما ذهبوا إليه، ففي الحج يقول تعالى: {ليس عَلَيْكمْ جنَاح أَنْ تبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبكمْ} (١)، وقد صحَّ عن ابن عباس أن الآية نزلت عندما خاف المسلمون من الاتجار في أسواق الجاهلية في مواسم الحجّ، والحديث في صحيح البخاري، وفي رواية عن ابن عباس في سنن أبي داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم: "إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون في منى وعرفات وذي المجاز ومواسم الحجّ، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى: {لَيْس عَلَيْكُمْ جناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج" (٢).

وقد عقد العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام فصلا عنون له بقوله: "فصل في بيان أنّ الإعانة على الأديان وطاعة الرحمن ليست شركا في عبادة الديان وطاعة الرحمن" (٣).

وقد جلّى رحمه الله هذه المسألة فقال: "إن قيل: هل يكون انتظار الإمام المسبوق لِيدركه في الركوع شركا في العبادة أم لا؟ قلت: (القائل العز) ظن بعض العلماء ذلك، وليس كما ظنَّ، بل هو جمع بين قربتين لما فيه من الإعانة على إدراك الركوع وهي قربة أخرى والإعانة على الطاعات من أفضل الوسائل عند الله ... وليس لأحد أن يقول هذا شرك في العبادة بين الخالق والمخلوق، فإن الإعانة على الخير والطاعة لو كانت شركا ورياء، لكان تبليغ الرسالة وتعليم العلم والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر رياء وشركا، وهذا لا يقوله أحد، لأن الرياء والشرك أن يقصد بإظهار عمله ما لا قربة به إلى الله من نيل أغراض نفسه الدنية، وهو قد أعان على القرب إلى الله، وأرشد عباده إليه. ولو كان هذا شركا لكان الأذان وتعليم القرآن شركين، وقد جاء في الحديث الصحيح: أنَّ رجلا صلى منفردا فقال عليه السلام: "من يتجر على هذا وروي: "من يتصدق على


(١) سورة البقرة / ١٩٨.
(٢) تفسير القرطبي ٧/ ٥٨.
(٣) قواعد الأحكام ١/ ١٥١.

<<  <   >  >>