للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم، وقد نفع الأغنياء بتسببه إلى اقتدائهم به في نفع الفقراء" (١).

وقد نقل عن السلف الصالح في إخفاء الأعمال التي يستحب أن تخفى أمور تدعو إلى الإعجاب، وتضع أصحابها في مستويات كريمة، تجعلهم أسوة يحتذى ويقتدى بهم في هذا:

ذكر عن ابن سيرين (٢) أنه كان يضحك بالنهار، ويبكي بالليل، وكان في ذيل أيوب السختياني (٣) بعض الطول، وذلك لأنَّ الشهرة في عصره كانت بتقصير الثوب، وكان ابن أدهم (٤) إذا مرض يرى عنده ما يأكله الأصحاء (٥).

إلاّ أنَّه لا ينبغي أن يبالغ المسلم في إخفاء العمل بحيث يزري على نفسه في ذلك، فبعض النّاس يفعلون أمورا يلامون عليها، لكيلا تظهر أعمالهم، ومما يروي وهب بن منبه (٦) في هذا عن رجل من الأمم المتقدمة قال: كان رجل من أفضل أهل زمانه، وكان يزار، فيعظَّم، فاجتمعوا إليه ذات يوم، فقال: إنّا قد خرجنا من الدنيا، وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطغيان، وقد خفت أن يكون قد


(١) بقيت قضية لم يتعرض لها العز رحمه الله تعالى، وهي كتمان الذنوب وإخفاؤها: فقد يظن بعض الناس أن ذلك من الرياء، وهذا غير صحيح، فإن الصادق الذي لا يرائي إذا وقعت منه المعصية كان له سترها، لأن الله يكره ظهور المعاصي ويحب سترها. وقد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من ارتكب شيئًا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل". (انظر مختصر منهاج القاصدين ص ٢٣٣).
(٢) هو محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء، من رواة الحديث استقر بالبصرة، واشتهر بالورع وتعبير الرؤيا، وله فيها كتاب، ولد (٣٣ هـ)، وتوفي (١١٠ هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب ٩/ ٢١٤)، (معجم المؤلفين ١٠/ ٥٧).
(٣) هو أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري، سيد فقهاء عصره، تابعي من النساك، ولد سنة (٦٦ هـ)، وتوفي سنة (١٣١ هـ).
راجع. (تهذيب التهذيب ١/ ٢٩٧)، الكاشف ١/ ١٤٥، (خلاصة تذهيب الكمال ١/ ١١٠).
(٤) هو إبراهيم بن أدهم التميمي البلخي، كان أبوه من أغنياء بلخ، فزهد في مال أبيه، وكان يأكل من كسب يده، واشتهر بالزهد، واشترك في غزو الروم، توفي (١٦١ هـ). راجع (الأعلام ١/ ٢٤).
(٥) تلبيس إبليس ص ١٧١.
(٦) هو وهب بن منبه الأنباري الصنعاني مؤرخ كثير الأخبار في الكتب القديمة، له (قصص الأنبياء)، و (قصص الأخبار)، ولد عام (٣٤ هـ)، وتوفي في عام (١١٤ هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب ١١/ ١٦٦)، (خلاصة تذهيب الكمال ٣/ ١٣٨)، (الكاشف ٣/ ٢٤٥).

<<  <   >  >>