للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَواقيتُ للِنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بأَنْ تَأتُوا البيوتَ مِنْ ظهُورِهَا .. } (١) (٢) الآية، فجعل إتيان البيوت من ظهورها مثالا شاملا لمقتضى هذا السؤال، لأنه تطلب لما لم يؤمر بتطلبه.

الثاني: أنَّ كثيرا من العلماء يعدُّون مثل هذا القصد نوعا من الشرك يفسد الإخلاص، وقد مضى تحقيق هذه المسألة.

الثالث: أن هذا النوع من القصد إن أريد به تثبيت القلوب وزيادة طمأنينة النفوس- ففي عالم الشهادة من العجائب والغرائب القريبة المأخذ السهلة الملتمس ما يفنى الدهر وهي باقية لم يبلغ منها في الاطلاع والمعرفة إلاّ كما يأخذ الطائر من البحر إذا نقر منه نقرة. ولو نظر العاقل في أقل الآيات وأذل المخلوقات، وما أودع باريها فيها من الحكم والعجائب، لقضى العجب وانتهى إلى العجز في إدراكه، وقد حثنا الله إلى النظر والتفكر في مخلوقاته؛ قال تعالى: {أَو لَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكوتِ السمَوَاتِ وَاْلَأرْض وَمَا خَلَقَ الله منْ شَيءٍ} (٣)، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (٤)، {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (٥). ومعلوم أنه لم يأمرهم بالنظر فيما حجب عنهم، ولم يكن لهم الاطلاع عليه عادة إلا بخارقة، فإنه إحالة على ما يندر التوصل إليه، وإذا تأملت الآيات التي ذكر فيها الملائكة وعوالم الغيب لم تجدها مما أحيل على النظر


(١) سورة البقرة / ١٨٩.
(٢) قال العوفي عن ابن عباس: سأل الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأهلة، فنزلت الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} وقال أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله، لم خلقت الأهلة فأنزل الله الآية، وكذا روي عن عطاء، والضحاك وقتادة والسدي والربيع بن أنس. راجع: تفسير ابن كثير (١/ ٣٩٨).
(٣) سورة الأعراف ١٨٥.
(٤) سورة الغاشية ١٧ - ٢٠.
(٥) سورة ق ٦ - ٧.

<<  <   >  >>