فيه، ولا مأمور بتطلب الاطلاع عليها وعلى ذواتها وحقائقها، فهذه التفرقة كافية في أن ذلك غير مطلوب النظر فيه شرعا، وإذا لم يكن مطلوبا لم يحسن أن يطلب.
الرابع: أنَّ أصل هذا التطلب الخاص فلسفي، فإن الاعتناء بطلب تجريد النفس، والاطلاع على العوالم التي وراء الحس إنما نقل عن الحكماء المتقدمين والفلاسفة المتعمقين في فنون البحث من المتألهين منهم ومن غيرهم، ولذلك نجدهم يقررون بطلب هذا المعنى رياضة خاصة، لم تأت بها الشريعة المحمدية من اشتراط التغذي بالنبات دون الحيوان، أو ما يخرج من الحيوان إلى غير ذلك من شروطهم التي لم تنقل في الشريعة، ولا وجد منها في السلف الصالح عين ولا أثر، كما أنَّ ذكر التجريد والعوالم الروحانية، وما يتصل بذلك لم ينقل عن أحد منهم، وكفى بذلك حجة في أنَّه غير مطلوب.
الخامس: أنَّ طلب الِاطلاع على ما غيب عنا من الروحانيات وعجائب المغيبات، كطلب الاطلاع على ما غيب عنا من المحسوسات النائية، كالأمصار البعيدة، والبلاد القاصية، والمغيبات تحت أطباق الثرى، لأن الجميع من مصنوعات الله تعالى، فكما لا يصحّ أن يقال بجواز التعبد لله بقصد أن يطلع الكويتي على قطر وباكستان وأفغانستان .. وأقصى بلاد الصين، فكذلك لا ينبغي مثله في الاطلاع على ما ليس من قبيل المحسوسات.
السادس: لو فرض كون هذا سائغا فهو محفوف بعوارض كثيرة وقواطع معترضة، تحول بين الإنسان ومقصوده، وإنما هي ابتلاءات يبتلي الله بها عباده، لينظر كيف يعملون، فإذا وازن الإنسان بين مصلحة الحصول على هذه الأشياء وبين مفسدة ما يعترض من صاحبها، كانت جهة العوارض أرجح، فيصير طلبها مرجوحا.
ونحن اليوم نعلم مدى رحمة الله بنا إذ لم يعط آذاننا القدرة على استماع كل ما يعجُّ به الكون من أصوات، وإلا فلو كانت آذاننا قادرة على استماع ما يستقبله