للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد جعل القرآن طاعة الشيطان عبادة للشيطان، وجعل خضوع بنى إسرائيل لفرعون عبادة له، مع كونهم غير راضين بذلك، فقد قال بنو إسرائيل لموسى: {أوذِينَا مَنْ قَبْلِ أَنْ تَأتينا، ومَنْ بَعْد مَا جِئْتَنَا} (١). وهذا الإيذاء ذكر لنا القرآن صورا منه: {وإذْ نَجيناكْم مِنْ آل فِرْعَوْنَ يسُومونَكمْ سوءَ الْعَذَاب، يُذَبحونَ أبْنَاءَكمْ، وَيَستحْيونَ نِسَاءَكمْ، وَفِي ذَلِكُم بلَاء منْ رَبكُمْ عَظِيم} (٢)، فمع هذا الإيذاء لا يمكن أن تصحب مذلة بنى إسرائيل وطاعتهم وانقيادهم لفرعون محبة أبدا. صحيح أن العبادة المأمور بها شرعا لا يمكن أن تتحقق إلا بأمرين كما يقول ابن تيمية:

الأول: الخضوع والذلة لله عز وجل، وعنوان هذا الخضوع هو الاستسلام لأمره، واتباع نهجه، والانقياد لشرعه، فمن رفض ذلك كلَّه فليس بخاضع، ولا مطيع.

الثاني: أن يصدر هذا الالتزام من قلب يحب الله تعالى، فليس في الوجود من هو أجدر من الله تعالى بأن يحب.

"فالعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له" (٣).

يقول ابن كثير (٤) رحمه الله تعالى: "العبادة في الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف" (٥).


(١) سورة الأعراف / ١٢٩.
(٢) سورة البقرة / ٤٩.
(٣) العبودية (ص ٤٤).
(٤) هو إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، حافظ مؤرخ فقيه، ولد في قرية من أعمال بصرى في الشام (٧٠١ هـ)! أكثر من التأليف، من كتبه: (البداية والنهاية)، (وتفسير القرآن العظيم)، توفي بدمشق عام (٧٧٤ هـ).
(٥) تيسير العزيز الحميد (ص ٣٠).

<<  <   >  >>