للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا همَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتحريق بيوت الذين لا يشهدون الجمع والجماعات، والهمّ لا يكون إلا لتركهم واجبا.

هذا واجب الدولة الِإسلامة أن تجبر بالقوة هؤلاء الذين يتهربون من أداء الواجبات، شاؤوا أم أبوا، وهذا يكفينا منهم، إذ لنا ظواهر الأمور، ولا نطالبهم بأكثر من هذا في الدنيا، أما في الآخرة فلا خلاق لهم ما لم يؤدوها بنفس رضيّة إيمانا واحتسابا. يقول الشاطبي في هذا الموضوع: "لكن المطالبة تسقط عنه في ظاهر الحكم، فلا يطالبه الحاكم بإعادتها، لأنَّ باطن الأمور غير معلوم للعباد، فلم يطالوا بالشقِّ عن القلوب" (١).

ويشكل على هذا ما ذهب إليه الشافعي من أن المكرَه على أداء الزكاة من قبل الحاكم تجزىء الزكاة عنه، ولو أمكننا أن نفهم عنه أن هذا الإجزاء في ظاهر الأمر في الدنيا لما كان هناك إشكال (٢)، لكنَّه في موضع آخر يبيّن أنَّ الإجزاء الذي يريده في الدنيا والآخرة، لأنه فرق بين الصلاة والزكاة في هذا الجانب، يقول في الأمِّ: "وإنما منعني أن أجعل النيّة في الزكاة كالنية في الصلاة لافتراق الصلاة والزكاة في بعض حالهما، ألا ترى أنّه يجزىء أن يؤدي الزكاة قبل وقتها، ويجزيه أن يأخذها الوالي منه بلا طيب نفسه، فتجزىء عنه، وهذا لا يجزىء في الصلاة" (٣).

وقد حاول بعض أهل العلم توجيه قول الشافعي هذا زاعما أنَّ الشافعي يرى عدم وجوب النيّة في الزكاة، لأنها شبيهة بالغرامات المالية.

وهذا زعم مرفوض، وادعاء لا يقوم على دليل، فالشافعي ينص صراحة على وجوب النيّة في الزكاة، فهو يقول: "لما كان في الصدقة فرض وتطوع، لم يجز -الله أعلم- أن يجزىء عن رجل زكاة يتولى قسمها إلاّ بنية أنه فرض" (٤).


(١) الموافقات (٢/ ٢٤٢).
(٢) وقد تأوله النووي على هذا النحو: المجموع (٦/ ١٩٠).
(٣) الأم: (١/ ١٩).
(٤) الأم: (١/ ١٨).

<<  <   >  >>