١ لما كان الحديث مبينًا على الإسناد، كان الحفظ فيه أثبت والحافظ له أكثر، فهناك حفظ الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال ووفياتهم وطبقاتهم، ومتون الأحاديث والسنن، ثم ما يتبع ذلك من جمل العلوم الأخرى التي لا بد للمحدث منها. وينبغي لمن يقرأ أخبار الحفاظ من أهل الحديث أن لا يبادر بالإنكار ولا يجزم بالمبالغة في الأخبار، فإذا رأى أن الإمام أحمد بن حنبل كان يحفظ ألف ألف حديث وأبا زرعة سبعمائة ألف حديث "وأبو زرعة هو الذي سئل عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل يحنث وتطلق امرأته؟ قال: لا! " وإن إسحاق بن راهويه كان يملي سبعين ألف حديث من حفظه, إذا رأى ذلك وما إليه فلا يتوهمن أن كل هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشك في صحته ويستريب بما رأى، وإنما يتبعه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعلًا وتقريرًا وصفة، ويداخله شيء كثير من آثار الصحابة؛ لأن غرض الراوي بيان الشرع؛ وقد نقل ابن حجر في "طبقات الصحابة" أن عدد الصحابة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وسمع منه ونقل عنه، مائة ألف وأربعة عشر ألفًا، رضي الله عنهم؛ فانظر ما يكون مبلغ ما يروى عن هؤلاء. وذلك كله غير الموضوعات، ولا بد منها للمحدثين ليصونوا بها الصحيح وليتكلموا في عللها وأسانيدها، وهو شطر من علم الرواية، وعلى أن ابن حنبل يحفظ مليون حديث فإنه لم يذكر في مسنده إلا خمسين ألفًا، وقيل إنه يحفظ مائة وخمسين ألفًا بالأسانيد والمتون، والباقي من أخبار الصحابة وغيرها.