٢ من الثابت البين أن من لم يحكم فهم القرآن فهمًا صحيحًا لا تتم له فضائل هذا الدين، وفي بعض الشعوب المسلمة التي لا عربية لها ولم يتخولها علماء العربية من أهلها أو غير أهلها بالتثقيف والموعظة لا ترى الإسلام إلا تهذيبًا لأديانهم وعاداتهم القديمة ليس غير, ففي بلاد الدكن، وعند قبائل دراقان، يؤلهون النبي صلى الله عليه وسلم ويعبدونه، وفي بعض جهات الهند وفارس أصبح شطر الإسلام من العقائد الوثنية. وإنك لترى هذا الأمر فاشيًا حتى في الشعوب العربية العامية كالجزائر في بعض جهاتها، ومراكش، ومصر، والسودان، وغيرها. وما من شعب منها إلا له عادات تاريخية يمزجها بالدين ويراها منه، فما تزال غربة الدين تتبع غربة العربية ونحن لا نزال نذكر حديثًا أطرفنا به من نحو عشرين سنة شيخ رحالة يضرب في الأرض، فإنه تحدث -وكنا من حاضري مجلسه- فذكر أنه نزل بقبيلة في حدود الصين تنتحل الإسلام -وقد ذهب عنا اسمها- فلما رأوه ينطق العربية ويقرأ القرآن وحدثهم أن حج البيت وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه واحتفوا به وكادوا يعبدونه، ثم ذهبوا يتشاورون في إكرامه بما هو أهله, فلم يروا أكرم له عندهم من أن يذبحوه, ثم يتخذوا عليه مسجدًا, فيكون شيخ دينهم إلى يوم الدين. فما علم الرجل بها حتى هام على وجهه وكاد يهلك في مجهل من الأرض، لولا أن تداركه الله بلطف من رحمته. كتبنا هذا للطبعة الأولى "سنة ١٩١٤" أما الآن في "سنة ١٩٢٧" فنضيف إليه ما وقع في تركيا من بعض أهلها وحكامها: فكأنما كان الإسلام شعرًا على رءوسهم وحلق, ولكنه سينبت وسينبت ومن يعش يره!