٢ كان العرب يلحدون إلى رجل أعجمي زعموا أنه يعلم النبي صلى الله عليه وسلم ما يجيء من أخبار الأمم ونحوها, فرد الله عليهم بقوله: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} تلك مغالطة منهم وهذا ردها. وهو يثبت أن إعجازها كان بالفصاحة والأسلوب مع قدرتهم، لا بالصرفة ولا بغيرها. ويؤكده أنه تحداهم أن يأتوا بعشر سور مفتريات، والافتراء سهل لا يضيقون به، ولكن أين لهم مثل النظم والأسلوب؟ ولو كان تحداهم بعشر سور مفتريات ولم يقل "مثله" لأثبت ذلك أن الإعجاز بغير الأسلوب، بل لو لم تكن هذه الكلمة "مثله" في آية التحدي لجاز القول بأن القرآن غير معجز، ولاضطرب الأمر كله من أجل حرف واحد كما ترى. وقد اختلفوا في ذلك الأعجمي، فقيل: إنه سلمان الفارسي، وقيل إنه بلعام الرومي. وسلمان إنما أسلم بعد الهجرة وبعد نزول كثير من القرآن، وأما الرومي فكان أسلم وكان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: وقد كان سلمان أو بلعام الرومي أو يعيش أو جبر أو يسار، على اختلافهم في اسمه، بين أظهرهم، يكلمونه مدى أعمارهم، فهل حكي عن واحد منهم شيء مثل ما كان يجيء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل عرف واحد منهم بمعرفة شيء من ذلك؟ وما منع العدو حينئذ، على كثرة عدده ورءوب طلبه وقوة حسده، أن يجلس إلى هذا فيأخذ عنه ما يعارض به؟