للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتل قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة.

٣- وطليحة بن خويلد الأسدي، وكان من أشجع العرب، يعد بألف فارس، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد أسد بن خزيمة سنة تسع فأسلموا ثم لما رجعوا تنبأ طليحة، وعظم أمره بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يزعم أن ذا النون يأتيه بالوحي -وقيل بل يزعمه جبريل- ولكنه لم يدع لنفسه قرآنًا؛ لأن قومه من الفصحاء، ولم يتابعوه إلا عصبية وطلبًا لأمر يحسبونه كائنًا في العرب من غلبة بعضهم على جماعتهم، وإنما كانت كلمات يزعم أنها أنزلت عليه، ولم نظفر منها بغير هذه الكلمة، رأيناها في معجم البلدان لياقوت، وهي قوله: إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئًا، فاذكروا الله قيامًا١ فإن الرغوة فوق الصريح٢.

وقد بعث أبو بكر -رضي الله عنه- خالدًا بن الوليد لقتاله وكان مع طليحة عيينة بن حصن في سبعمائة من بني فزارة. فلما التقى الجمعان تزمل طليحة في كساء له ينتظر بزعمه الوحي وطال ذلك منه، وألح المسلمون على أصحابه بالسيف، فقال عيينه: هل أتاك بعد؟ قال طليحة من تحت الكساء: لا والله ما جاء بعد! فأعاد إليه مرتين، كل ذلك يقول: لا. فقال عيينة: لقد تركك أحوج ما كنت إليه! فقال طليحة: قاتلوا عن أحسابكم، فأما دين فلا دين٣! ثم انهزم ولحق بنواحي الشام، أسلم بعد ذلك، وكان له في واقعة القادسية بلاء حسن.

٤- وسجاح بنت الحارث بن سويد التميمية. وكانت في بني تغلب "وهم أخوالها" راسخة في النصرانية، وقد علمت من علمهم وتنبأت فيهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر، فاستجاب لهم بعضهم وترك التنصر ومالأها جماعة من رؤساء القبائل، وكانت تقول لهم: إنما أنا امرأة من بني يربوع، وإن كان ملك فالملك ملككم. وقد خرجت بهم تريد غزو أبي بكر رضي الله عنه، ومرت تقاتل بعض القبائل وتوادع بعضها. وكان أمر مسيلمة الكذاب قد غلظ واشتدت شوكة أهل اليمامة، فنهدت له بجمعها؛ وخافها مسيلمة، ثم اجتمعا وعرض عليها أن يتزوجها. قال: "ليأكل بقومه وقومها


١ يريد بذلك هيئة الصلاة من الركوع والسجود. فكانت في شرعه قيامًا، وما من متنبئ في العرب أن يجيء بشيء مبتدئًا إلا أن يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ويزيد وينقص فيما جاء، وتلك دلائل التزوير وعلاماته فترى لو كان هذا الأمر إنسانيا وذكاء وصنعة، أفلم يكن في جزيرة العرب كلها من أقصاها إلى أقصاها رجل واحد يبلغ شيئًا من ذلك الذكاء وتلك الصنعة، فيأتي بشيء أو يصنع شيئًا أو يكون هو على الأقل في هذا الأمر شيئًا مذكورًا.
٢ الرغوة ما فوق اللبن، والكلمة مثل جاء في العبارة حشوًا.
٣ هذه رواية ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة" وفي بعض المجاميع من كتب الأدب أن عيينة قال: تبا لك آخر الدهر، ثم جذبه جذبة جاش منها، وقال: قبح الله هذا ومن تبعوه. فجلس طليحة، فقال عيينة: ما قيل لك؟ قال: إن لك رحى كرحاه وأمرًا لا تنساه! فقال عيينة: قد علم الله أن لك أمرًا لا تنساه، يا بني فزارة هذا كذاب، ما بورك لنا وله فيما يطلب.
وفي "تاريخ الطبري" رواية أخرى تشبه هذه، وفي "معجم ياقوت" أن عيينة قال له: هل جاءك ذو النون بشيء؟ قال: نعم، قد جاءني وقال لي: إن لك يومًا ستلقاه، ليس لك أوله ولكن أخراه رحى كرحاه، وحديثًا لا تنساه. قلنا: فانظر أي هذيان تراه!

<<  <  ج: ص:  >  >>