للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة إلى بعض كلامه في المعارضة، كما أصبنا من ذلك لغيره١.

٨- وشاعر الإسلام أبو الطيب المتنبي المتوفى قتيلًا سنة ٣٥٤هـ فقد أدعى النبوة في حدثان أمره، وكان ذلك في بادية السماوة "بين الكوفة والشام"، وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم، وكان يمخرق على الناس بأشياء وصف المعري بعضها في "رسالة الغفران"، وقيل إنه تلا على البوادي كلامًا زعم أنه قرآنًا أنزل عليه يحكمون منه سورًا كثيرة، قال علي بن حامد: نسخت واحدة منها فضاعت مني وبقي في حفظي من أولها: "والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار, امض على سنتك، واقف أثر من قبلك من المرسلين؛ فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضل عن سبيل".

ونحن لا نمنع أن يكون للرجل شيء من هذا ومثله، وإن لم يكن في طبقة شعره ولا في وزن ما يؤثر عنه من فصول النثر، كقوله وقد كتب به إلى صديق له في مصر كان يغشاه في علته حين مرض، فلما أبلّ انقطع عنه فكتب إليه: "وصلتني -وصلك الله- معتلا؛ وقطعتني مبلا؛ فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي ولا تكدر الصحة علي، فعلت إن شاء الله" فإن هذا وشبهه إنما هو بعض عشره منثورًا، وهي المعاني التي تقع في خواطر الشعراء قبل النظم، وما من شاعر بليغ إلا هو يحسن أن يقول هذا وأحسن منه، وإن كان فيما وراء ذلك من صناعة الترسل ودواوين الكتابة لا يغني قليلًا ولا كثيرًا.

ولم يكن المتنبي كاتبًا، ولا بصيرًا بأساليب الكتابة وصناعتها ووجوهها، ولا هو عربي قح من فصحاء البادية، وإن كان في حفظ اللغة ما هو؛ فليس يمنع سقوط ذلك الكلام الذي نسب إليه من أن تكون نسبته إليه صحيحة؛ لأنه لو أراده في معارضة القرآن ما جاء بأبلغ منه؛ وما المتنبي بأفصح عربية من العنسي ولا مسيلمة، وقد كان في قوم أجلاف من أهل البادية، اجتمعت لهم رخاوة الطباع، واضطراب الألسنة، فلا تعرفهم من صميم الفصحاء بطبيعة أرضهم، ولا تعرفهم في زمن الفصاحة الخالصة؛ لأنهم في القرن الرابع، وإذا كانت حماقات مسيلمة قد جازت على أهل اليمامة والقرآن لم يزل غضا طريا ونور الوحي مشرق على الأرض بعد، فكيف بالمتنبئ في بادية السماوة وقوم من بني كلب! وهل عرف الناس نبيا بغير وحي ولا قرآن؟

٩- وأبو العلاء المعري المتوفى سنة ٤٤٩هـ، فقد زعم بعضهم أنه عارض القرآن بكتاب سماه "الفصول والغايات، في مجاراة السور والآيات" وأنه قيل له: ما هذا إلا جيد، غير أنه ليس عليه طلاوة القرآن! فقال: حتى تصقله الألسن في المحاريب أربعمائة سنة، وعند ذلك انظروا كيف يكون*.


١ في ص١١١ ج٢ من هامش الكامل أسماء الذين كانوا يطعنون عن القرآن ويصنعون الأخبار ويبثونها في الأمصار ويضعون الكتب على أهله.
* يقول مصححه: وقع صديقنا البحاثة الأستاذ محمود زناني على نسخة خطية لبعض كتاب "الفصول والغايات" فنشرها مصححة مضبوطة منذ قريب، وأحسب أن المؤلف -رحمه الله- لم يقرأ شيئًا منها قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>