بالرجز، وهو ما يحدى به "ص١٦٣ ج١: الأغاني"؛ وكذلك صاروا يكرهون النسيب من أجله؛ حتى قال فيهم سعيد بن المسيب: إنهم نسكوا نسكًا أعجميا. ونبغ في ذلك العهد عمر بن أبي ربيعة الغزل المترف، وكانت أمه سبيت من حضرموت، ويقال من حمير، ومن هناك أتاه الغزل "ص٣٢ ج١: الأغاني" كما أتى امرؤ القيس من قبله، وليس بينهما من يساويهما في هذه الطريقة، وإنما نشأ لزمنه فتيان الشعر من القرشيين، كأبي دهبل الجمحي، ومن ينزل منزلتهم بما يدل به من سابق الحرمة كعبد الرحمن بن حسان، فلم يتركوا أن يقولوا النسيب في كل من جاز أن يقولوه فيه وكل من لم يجز، حتى تناولوا به بنت معاوية؛ ولكن ابن أبي ربيعة هو الذي استقلت [له] هذه الطريقة وكان أول من شهر بها، فبرع نظراءه بسهولة الشعر وشدة الأسر وحسن الوصف وإرسال شعره قصصا غزلية حتى كأنه إنما يدون فيه تاريخ قبله، ولذلك فتن به الناس، وكان أشهر أهل الحجاز يومئذ بالظرف والرقة وطباع الغزل، ابن أبي عتيق، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فكان عمر يذهب في شعره إلى أخلاقه "ص٢٨ ج٢: الحيوان" وأخبارهما مشهورة، ثم كان يغني في أشعاره ابن سريج المغني النواحة، فلو أن القلوب لا ترى ببصائرها إلا لونًا واحدًا لكان هو اللون الذي يعطيه غناء ابن سريج بشعر ابن أبي ربيعة، ولذلك طار نسيبه وصار الحسان يتعرضن في آفاق لحظه كواكب وأقمارًا ليشهرن فيرتفعن في الناس بصفته؛ وبلغ من فتنة شعره للنساء أنهن كن يتدارسنه ويكتبنه "ص٣٧ ج١: الأغاني".
وقد خلقت تلك البيئة عمر خلقًا نسائيا، حتى كأنما كن ينجذبن إليه للمناسبة الجنسية.... فقد كان في أيام الجمع يلبس حلل الوشى ويركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج ويسبل لمته ويخرج يتلقى العراقيات إلى ذات عرق، ويتلقى المدنيات إلى مر ويتلقى الشاميات إلى الكديد "ص٨٨ ج١: الأغاني" كل ذلك التماسًا للغزل وطلبًا لمأتاه، وأخباره كثيرة مثبتة في موضعها من كتاب الأغاني.
وظهرت مع عمر طبقة العشاق من شعراء العرب: كجميل، وكثير، ونصيب، وجنادة العذري وغيرهم؛ ثم الشعراء الذين صاغتهم البيئة: كالأحوص الذي كان يشبب بالنساء ذوات الأخطار من أهل المدينة، حتى نفاه سليمان بن عبد الملك "ص٤٨ ج٤: الأغاني"؛ ووضاح اليمن وكان يشبب بامرأة الوليد بن عبد الملك.
وفشا أمر الغناء فكان ابن سريج وابن محرز ومعبد والغريض ومالك وابن عائشة وغيرهم [يغنون] في النسيب من شعر تلك الطبقة كلها، وبذلك ظهر النسيب في وضع يشبه أن يكون فارسيا أو روميا ولا يلتئم مع أخلاق العرب؛ إذ تحكى فيه قصة الغزل ويفتخر فيه بنقض العفة وانحلال الطباع، إلى أمثال هذه المعاني؛ وكان ذلك أصل ما ورثه المولدون من هذه الصناعة.
وثم نوع من الهجاء استخدم فيه النسيب، واستعين على البلوغ إلى حقيقته بهذا الغزل الحديث، وأول من فعل ذلك الشاعر الملقب بالعرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، وقد نبغ بعد موت ابن أبي ربيعة ونحا نحوه وتشبه به فأجاد، وكان جريئًا في شعره على نساء قريش ونساء