عصره [غير] حاجبه جعفر بن محمد المصحفي رب القلم والبيان؛ وهو في الطبقة الثانية من شعراء الأندلس، وغير الرمادي الشاعر المتوفى سنة ٤٠٣هـ ويعدونه في الطبقة الثالثة "ص١٦: المعجب في تلخيص أخبار المغرب".
وإذا كان التاريخ قد ذهب بكثير من أسمائهم، فقد رأينا في بعض أنبائه أن من الكتب التي ألفت للحكم المستنصر كتبا في شعراء الأندلس، منها أخبار شعراء ألبيرة في عشرة أجزاء؛ وقد وقف عليه الوزير أبو محمد بن حزم؛ وهو الذي ذكره في بعض رسائله ولم يذكر اسم مؤلفه "ص١٢٣ ج٢"، ولكنا وقفنا في "طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي على اسم هذا الكتاب في ترجمة مطرف بن عيسى الألبيري المتوفى سنة ٣٥٧هـ؛ وقال إن له كتابًا آخر في فقهائها، وكتابًا في أنساب العرب النازلين بها وأخبارهم "ص٣٩٢".
ورأينا أيضًا في هذه الطبقات في ترجمة محمد بن عبد الرءوف القرطبي المعروف بابن خنيس المتوفى ٣٤٣هـ أنه ألف كتابًا في شعراء الأندلس بلغ فيه الغاية؛ فيكون من ذكرهم فيه إلى ما قبل انتهاء زمن الناصر؛ وألبيرة لم تكن إلا مدينة من مدن الأندلس فكيف بسائرها؟ إلا أن الشعر كان كثيرًا في علماء اللغة والنحو وغيرهما -كما سيجيء في موضعه- وفي أيام هذا الأمير نبغ محمد بن هاني الشاعر الشهير بإشبيلية، ولكنه انفصل عنها إلى أفريقية ومدح المعز صاحب مصر وغيره، وتوفي سنة ٣٦٨هـ؛ وقد توفي الحكم سنة ٣٦٦هـ وولي بعده ابنه هشام فغلب على أمره ابن أبي عامر المنصور وتولى حجابته، وجرت أحوال علت قدمه فيها حتى صار صاحب التدبير، فدانت له الأندلس لكها ولم يضطرب عليه شيء من نواحيها، وكان محبا للعلوم مؤثرًا للأدب، مفرطًا في إكرام من ينسب إلى شيء من ذلك ويفد عليه متوسلًا به بحسب حظه منه وطلبه له ومشاركته فيه، وقد أفرط في الإحسان على أبي العلاء صاعد اللغوي البغدادي حين قدم عليه سنة ٣٨٠هـ حتى اتخذ له مرة قميصًا من رقاع الخرائط التي كانت تصل إليه فيها الأموال منه، وجعل ذلك حيلة إلى بلوغ الغاية من كرمه، وقد ألف له كتبًا غريبة، منها كتاب "الهجفجف بن غيدقان بن يثربي مع الخنوت بنت مخرمة"، وكتابًا آخر في معناه سماه كتاب "الجواس بن قطعل المذحجي مع ابنة عمه عفراء". قال صاحب "المعجب": وهو كتاب مليح جدا انخرم أيام الفتن بالأندلس فنقصت منه أوراق لم توجد بعد، وكان المنصور كثير الشغف بهذا الكتاب -أعني الجواس- حتى رتب له من يخرجه أمامه كل ليلة "ص٢٠: المعجب".
ولعل هذه الكتب مما يساق فيه القصص الموضوع على غرض من أغراض السياسة والأدب؛ ويقول صاحب "المعجب": إن كتاب "الهجفجف" وضعه على نحو كتاب أبي السري سهل بن أبي غالب، فيا أسفا على كتب أصبحت أسماؤها تحتاج إلى تفسير.... وقد ذكر الفتح بن خاقان في المطمح في ترجمة الوزير حسان بن مالك بن أبي عبدة أنه دخل على المنصور وبين يديه كتاب ابن السري وهو به كلف وعليه معتكف، فخرج وعمل على مثاله كتابًا سماه "ربية وعقيل"، وأتى به منتسخًا مصورًا في ذلك اليوم من الجمعة الأخرى "ص٣١٤ ج٢" فهذا يفيد أن هذه الكتب جميعها على مثال "كليلة ودمنة" المشهور.