للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتبه فطالعها واشتغل بها, وصنف خمسة كتب في الشعر، منها كتاب "الحماسة"، و"الوحشيات"، و"فحول الشعراء"، و"مختار شعراء القبائل" "الخزانة" فبقي "الحماسة" في خزائن آل سلم يضنون به، حتى تغيرت أحوالهم وورد أبو العواذل همذان من دينور فظفر به وحمله إلى أصبهان، فأقبل أدباؤها عليه ورفضوا ما عداه مما هو في معناه من الكتب، ثم شاع حتى ملأ الدنيا.

وقد رتبه أبو تمام في عشرة أبواب هي فنون الشعر التي عددناها، واقتصر فيه على شعر العظماء مما يخلص على السبك، واحتال في تخليده بما جود فيه من اختيار القطع والأبيات القليلة التي لا تكد المتحفظ ولا يداخلها سقط، على غير ما ذهب إليه الذين سبقوه، فإنهم لم يختاروا إلا القصائد الطويلة، ولم يقصروا اختيارهم على المأنوس دون الغريب؛ ولهذا السبب عينه سقط الوحشيات ولم يكتب له البقاء مع "الحماسة"، وإن كان كلامها اختيارًا واحدًا، وكن الوحشيات مبنية على اختيار القصائد والقطع الطويلة، وهي باقية إلى يومنا هذا، وقد وجد منها بعض الفضلاء نسخة في إحدى مكاتب الآستانة ورأى عليها أنها الحماسة الصغرى، وهو اسم موضوع لم يذكره أحد ممن دلوا عليه، كالتبريزي في شرح الحماسة وغيره.

وقد انتقد كتاب "الحماسة" حمزة بن الحسين، فزعم أن فيه تكريرًا وتصحيفًا وإبطاء وإقواء ونقلًا لأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها ولا تصلح لها، إلى ما سوى ذلك من رايات مدخولة وأمور عليلة "ص٤١٦ ج٣: يتيمة الدهر" ولكن هذا ومثله لم يغض من الكتاب ولم يصرف المتأدبين عنه، فقد ذهبت حسناته بما دونها حتى اتخذوا أصلًا يحتذون عليه، وجعلوا من شهرة اسمه وسيلة لشهرة كتبهم، فلما اختار الخالديان كتابهما المعروف بـ"الأشباه والنظائر"، سمياه "حماسة الخالديين"، وألف البحتري قبلهما "الحماسة الثانية" "وقد مر ذكر حماسة العجلي" وفي تاريخ ابن خلكان أن ابن الشجري اللغوي المتوفى سنة ٥٤٢هـ ضاهى "الحماسة" بكتاب غريب أحسن فيه.

ولعلي بن الحسن المعروف بشميم الحلي المتوفى سنة ٦٠١هـ حماسة رتبها على أربعة عشر بابًا؛ وللبياسي الأندلسي المتوفى سنة ٦٥٣هـ حماسة عارض بها أبا تمام ولكنه اختار فيها لكل الطبقات إلى زمنه ورتب كترتيب أبي تمام، وهي عند المغاربة في شهرة "الحماسة" عند المشارقة؛ وألف قبله من الأندلسيين الأعلم الشنتمري وذكر حماسته البغدادي في "خزانة الأدب"؛ وآخر ما عرف من هذه الكتب، الحماسة البصرية التي ألفها على بن أبي الفرج سنة ٦٤٧هـ برسم الملك الناصر صلاح الدين، وفي المكتبة الخديوية الجزء الأول منها.

ولكن كل هذه الحماسات لم تنازع حماسة أبي تمام قليلًا ولا كثيرًا؛ فلا يعرف لإحداها شرح واحد وقد وضع لتلك عشرون كتابا سمي أصحابها ملا جلبي في "كشف الظنون"، فبعضهم عني بذكر إعرابها، ومنهم من عني بالمعاني وشرح المعلقات، وبعضهم تناول ذلك وأضاف إليه تراجم شعرائها وأخبارهم في أشعارهم، وأشهر هذه الكتب "شرح الخطيب التبريزي"، وهو متداول مشهور.

وكان الكتاب يتصنعون في نثر أبياتها، وربما جعلوا ذلك مرانًا على الكتابة، ولكن علي بن محمد الكاتب المتوفى سنة ٤١٤هـ نثرها في كتاب سماه "منثور البهائي"؛ لأنه نثره لبهاء الدولة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>