للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعبارة طويلة عديدة الكلمات فيما يمكن تسميته ب «الترجمة التفسيرية» التي يندر أن يسمح بها السياق، في حين أن تبني اللفظ نفسه - مع شرح مدلوله في هامش مرة أو مرتين - يحل المشكلة ويثري اللغة.» (١)

ومنذ زمنٍ مبكر (١٩٤٥) عرض الأستاذ سلامة موسى لمشكلة المصطلح العلمي ورأى فيها رأيًا يجمع بين البساطة والعمق: «فالعلم تفكير جديد يحتاج إلى لغةٍ جديدة، وهذا ما حدث في أوروبا، فإن الأوروبيين حين شرعوا يفكرون تفكير المنطق والتجربة، تفكير الذهن واليد، أي التفكير العلمي، وجدوا أن دقة التعبير تحتاج إلى كلمات جديدة ليست لها أية ملابسات قديمة؛ فاخترعوا هذه الكلمات ليس من لغاتهم بل من لغاتٍ قديمة لا يعرفها الجمهور، وبذلك أصبح لكل علم لغته الخاصة التي لا يمكن أن يُقال: إنها إنجليزية أو فرنسية أو روسية، بل هي لغة العلم، فكلمة «بيولوجية» لا يعرفها رجل الشارع في لندن أو باريس أو نيويورك؛ لأنها كلمة مشتقة من اللاتينية، كي تعبر عن معنًى لم يكن الجمهور في حاجة إليه قبل مئتي سنة مثلًا. وقس على هذا كلمات كثيرة مثل: المندلية في الوراثة، اليوجينية في إصلاح النسل، السيميائية في المنطق اللغوي، والإسبكتروسكوب، والتلسكوب، والميكروسكوب … والتلغراف، والهرمونات من الغدد والفيتامينات … إلخ.» (٢)

كتب الأستاذ سلامة موسى هذا الكلام منذ ثلثي قرن، فلمس لب المشكلة وقدَّم حلًّا لو انتبه إليه الأكاديميون في ذلك الوقت، وقدروه حق قدره، لعربوا العلم دون تردد ووفروا على الجميع سنواتٍ طوالًا من التهيُّب والتوجس والمماحكة، فجميع هذه الكلمات العلمية، وآلاف غيرها «يعرفها الياباني والإنجليزي والهندوكي والأرجنتيني، ولا يحاول واحدٌ منهم أن يترجمها إلى لغته؛ أولًا: لأنه يحس أنه إذا اختار كلمة من لغته فإنها تحمل معها ملابسات (٣) لا يعرف كيف يتخلص منها، وثانيًا: لأنه عندئذٍ ينعزل بكلمة


(١) د. نبيل علي: ندوة قضايا اللغة العلمية العربية بالتعاون مع مجمع اللغة العربية الأردني، ١٦ - ١٩ من ديسمبر ٢٠٠٢.
(٢) أي لا شقاق ولا جدال.
(٣) أ. محمد علي زايد: عن الترجمة واللغة والتحديث، والتخريف، في «قضايا فكرية»، الكتاب ١٧ - ١٨، مايو ١٩٩٧، ص ١٨٤.

<<  <   >  >>