للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها انجذار مفاجئ أوقف ما فيها من عناصر فعالة … وقد بقي فيها شيء من مظاهر الطفولية، اجتهدت العربية بالتخلص منه، ولكن بقي على بعض صوره، والمسافات الواسعة التي بقيت واضحة في منطق القبائل الشتى، ومنطق القبيلة الواحدة، حتى ذهل من كثرتها علماء اللغة جميعًا، وراحوا في تعليلها على مذاهب متباينة، وابتدعوا لها وجوهًا من الاختلاف القبلي وتداخل اللغات والضرائر والشذوذ والغلط، وهي في حقيقة الأمر ليست غير أثر من آثار التطور العامة، الذي تخضع له كل لغة في سيرها الارتقائي، وتبقى هذه البواقي والمتخلفات؛ لأسباب مكانية وظرفية، أو لأن التطور لم يتم دورته، والذي لا شك فيه أن العربية لم تستقر لعهد القرآن على وجهٍ نهائي … وكانت تصل إلى مستوًى بعد ذلك لو ظلت في محيطها بجزيرتها دون خروج، لكن خروج العرب من الجزيرة في الحركة الإسلامية منع ذلك.» (١) لقد مضت العربية في تطورها على مذهب خاص ومعقول عربي لو أدركناه لاستطعنا أن نجعل العربية تتابع نماءها، وتحقق ما اتجه إليه ارتقاؤها، ولكنه توقف بخروج العرب من الجزيرة عند الفتح الإسلامي وتوزعهم في الأنحاء، ثم تناول اللغويون للعربية تناولًا طابعه الجمع فقط، وفقدان النظرة العامة إلى اللغة، والوقوف في وجه كل اجتهاد. (٢)

يشيد الشيخ أمين الخولي بمحاولة العلايلي النظرية (مقدمة لدرس لغة العرب) والتطبيقية (المعجم)، ويرى أن العلايلي لا يقف عند بيان هذا التطور، بل يمضي إلى ما وراء ذلك من اهتداء بهذا التطور في دفع العربية اليوم إلى السير استئنافًا لتطورها الذي أوقفه خروجها من الجزيرة عند الفتح الإسلامي، فهو يهتدي بهذا التطور إلى معرفة «معقول» العربي ووجهته في السير بلغته، أو سير الحياة بها، وما كان ينتظر أن ينتهي إليه الأمر في رقيها واستقرار أمرها، والتخلص من ظواهر الفوضى أو الاضطراب في مادتها وصورتها، وبهذا الهدي التطوري يرى أننا نستطيع رد الحياة إلى العربية، ودفعها إلى استكمال ما عوقتها الظروف عن استكماله فتقرر اليوم النتائج التي دلنا التطور على أنها كانت تتجه إلى تقريرها، وتبسط رقعة الوضع أمام الواضع الجديد


(١) من مقدمة لدرس لغة العرب، للأستاذ عبد الله العلايلي، عن كتاب الأستاذ أمين الخولي «مشكلات حياتنا اللغوية»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٧، ص ٨١ - ٨٢.
(٢) مشكلات حياتنا اللغوية، ص ٩٩.

<<  <   >  >>