للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: يحتمل الشعراء قبح الكلام حتى يضعوه في غير موضعه، وإنما الكلام «قلما يدوم وصال».

لم يوفق سيبويه في هذا المثال إلى تمييز الفرق الجوهري بين لغة النثر ولغة الشعر، فهذا الحيود في لغة البيت ليس قبحًا وليس اضطرارًا، وإنما هو طريقةٌ للشعر في الصوغ والتركيب، أو هو «خاص بالشعر»، ولو أن البيت صيغ على غير ذلك لذهب ماؤه وزال موضع التعجب منه.

لم يحتمل العلماء فكرة وجود لغتين أو مستويين لغويين للفصحى: لغة النثر ولغة الشعر، بحيث يكون أغلب ما أسموه «ضرورة» هو، ببساطة، «خاص بالشعر». ولعل ابن فارس خير ممثل لاتجاه عامة النحاة إلى تخطئة الشعراء في خروجهم على المطرد والقياسي من القواعد. في رسالته «ذم الخطأ في الشعر» يذهب ابن فارس إلى أن الضرورة ضربٌ من الخطأ ومجانبة الصواب، فالشعراء عنده يخطئون كما يخطئ الناس ويغلطون كما يغلطون، وما جعل الله الشعراء معصومين يوَقَّوْن الخطأ والغلط، فما صح من شعرهم فمقبول، وما أبتْه العربية وأصولها فمردود، ورأى ابن فارس أن كلام النحويين في هذا الباب إنما هو ضرب من التوجيه لخطأ الشعراء وتكلف التأويلات لأغلاطهم، (١) وقال أبو هلال العسكري في كتابه «الصناعتين»: «وينبغي أن تجتنب ارتكاب الضرورات، وإن جاءت فيه رخصة من أهل العربية؛ فإنها قبيحة تشين الكلام وتذهب بمائه، وإنما استعملها القدماء في أشعارهم لعدم علمهم - كان - بقباحتها، ولأن بعضهم كان صاحب بداية، والبداية مَزَلَّة، وما كان أيضًا تُنقَد عليهم أشعارهم، ولو قد نقدت وبُهرِج منها المعيب، كما تنقد على شعراء هذه الأزمنة ويُبهرَج من كلامهم ما فيه أدنى عيب لتجنبوها.» (٢) ونقل الدمنهوري عن السيوطي في الأشباه والنظائر النحوية ما نصه:

قاعدة: ما جاز للضرورة يُقَدَّر بقدرها، ومن فروعه: إذا دعت الضرورة إلى منع المنصرف المجرور فإنه يقتصر فيه على حذف التنوين وتبقى الكسرة؛


(١) ارجع في هذا وفي غيره إلى الرسالة القيمة «الضرورة الشعرية - دراسة أسلوبية» للأستاذ السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس، بيروت، ط ٣، ١٩٨٣، ٣٨ - ٣٩.
(٢) ابن رشيق: العمدة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، ١٩٧٢، ج ٢، ص ٢٦٩.

<<  <   >  >>