للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى تهزهم هزًّا، والهمزة أخت الهاء، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين، وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز؛ لأنك قد تهز ما لا بال له، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك. ومنه العسف والأسف، والعين أخت الهمزة، كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها، والهمزة أقوى من العين، كما أن أسف النفس أغلظ من التردد بالعسف، فقد ترى تقارب اللفظين لتقارب المعنيين، ومثله تركيب «ع ل م» في العلامة والعلم، ومنه تركيب «ج ب ل» و «ج ب ن» و «ج ب ر» لتقاربها في موضع واحد، وهو الالتئام والتماسك، منه الجبل لشدته وقوته، وجبن إذا استمسك وتوقف وتجمع، ومنه جبرت العظم ونحوه أي قويته، ومنه الغدر والختل، والمعنيان متقاربان، واللفظان متراسلان، فذاك من «غ د ر» وهذا من «خ ت ل» فالغين أخت الخاء، والدال أت التاء، والراء أخت اللام (١)

وفي «باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني» يقول ابن جني: «اعلم أن هذا موضعٌ شريف لطيف، وقد نبه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته. قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدًّا فقالوا: صر، وتوهموا في صوت البازي تقطيعًا فقالوا: صرصر. وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفَعَلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة؛ نحو النقَزان، والغليان، والغثيان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال، ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة … وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعَّفة تأتي للتكرير، نحو الزعزعة، والقلقلة، والصلصلة، والقعقعة، والجرجرة، والقرقرة … ومن ذلك أنهم جعلوا «استفعل» في أكثر الأمر للطلب، نحو استسقى، واستطعم، واستوهب، واستمنح، واستقدم عمرًا، واستصرخ جعفرًا … ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلًا على تكرير الفعل، فقالوا: كَسَّر، وقطَّع، وفتَّح، وغلَّق … فلما كانت الأفعال دليلة المعاني كرروا أقواها، وجعلوه دليلًا على قوة المعنى المحدَّث به، وهو تكرير الفعل، كما جعلوا تقطيعه في نحو صرصر وحقحق دليلًا على تقطيعه … فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فبابٌ عظيم واسع … من ذلك قولهم خضم وقضم، فالخصم لأكل الرطب، كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب، والقضم للصلب اليابس، قضمت الدابة شعيرها، ونحو ذلك، وفي الخبر «قد يدرك الخَضَمُ بالقَضم» أي قد يدرك الرخاء بالشدة واللين


(١) الخصائص، ج ٢، ص ١٤٨ - ١٥٢.

<<  <   >  >>