بالشظف؛ وعليه قول أبي الدرداء: «يخضمون ونقضم لليابس، حذوًا لمسموع الأصوات على محسوس الأحدث. ومن ذلك قولهم: النضح للماء ونحوه، والنضخ أقوى من النضح، قال الله سبحانه:{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فجعلوا الحاء (لرقتها) للماء الضعيف، والخاء (لغلظها) لما هو أقوى منه …
ومن ذلك أيضًا سد وصد، فالسد دون الصد؛ لأن السد للباب يسد، والمنظرة ونحوها، والصد جانب الجبل والوادي والشِّعب، وهذا أقوى من السد، الذي قد يكون لثقب الكوز ورأس القارورة ونحو ذلك (فجعلوا الصاد لقوتها للأقوى، والسين لضعفها للأضعف)، ومن ذلك القسم والقصم، فالقصم أقوى فعلًا من القسم؛ لأن القصم يكون معه الدق، وقد يقسم بين الشيئين فلا ينكأ أحدهما؛ فلذلك خصت بالأقوى الصاد، وبالأضعف السين … وقولهم: بحث (عرضنا لها آنفًا)، ومن ذلك قولهم: شد الحبل ونحوه، فالشين بما فيها من التفشي تشبه بالصوت أول انجذاب الحبل قبل استحكام العَقْد، ثم يليه إحكام الشد والجذب، وتأريب العَقد، فيعبر عنه بالدال التي هي أقوى من الشين، لا سيما وهي مدغمة؛ فهي أقوى لصنعتها وأدل على المعنى الذي أريد لها … ومن ذلك أيضًا جر الشيء يجره، قدموا الجيم لأنها حرفٌ شديد، وأول الجر بمشقة على الجار والمجرور جميعًا، ثم عقبوا ذلك بالراء، وهو حرف مكرر، وكرروها مع ذلك في نفسها؛ وذلك لأن الشيء إذا جر على الأرض في غالب الأمر اهتز عليها، واضطرب صاعدًا عنها، ونازلًا إليها، وتكرر ذلك منه على ما فيه من التعتعة والقلق، فكانت الراء - لما فيها من التكرير، ولأنها أيضًا قد كررت في نفسها في «جر» و «جررت» - أوفق لهذا المعنى من جميع الحروف غيرها. هذا محجة هذا ومذهبه … ومن طريف ما مر بي في هذه اللغة التي لا يكاد يُعلَم بُعدُها، ولا يُحاط بقاصيها، ازدحام الدال والتاء والطاء والراء واللام والنون، إذا مازجتهن الفاء على التقديم والتأخير، فأكثر أحوالها ومجموع معانيها أنها للوهن والضعف ونحوهما، من ذلك «الدالف» للشيخ الضعيف، والشيء التالف … و «الدَّنف» المريض … و «التُّرفة» لأنها إلى اللين والضعف … «والطرف» لأن طرف الشيء أضعف من قلبه وأوسطه، و «الفرد» لأن المنفرد إلى الضعف والهلاك ما هو … و «الفتور» للضعف، و «الطفل» للصبي لضعفه … » (١)