ولو أعطوا للزمن النحوي وظيفة التفريق بين الصيغ لا الدلالة على المضي والحضور والاستقبال لكان ذلك أشبه بالدراسة النحوية.
مقولة المكان: لهذه المقولة نفوذٌ كبير على تفكير النحاة يتجلى في:
تقدير الحركات على أواخر الكلمات سواء منع من ظهورها الثقل أو التعذر.
فكرتي الإعلال (تغيير شكل في مكان معين) والإبدال (بوضع شيء مكان شيء آخر).
ضرورة أن يكون الفاعل بعد الفعل، وقد سبق أن قلنا في مقولة الجوهر: إنه في عبارة «زيدٌ قام» لا بد للفعل «قام» من فاعل، ولا بد أن يكون هذا الفاعل بعد الفعل، ومن الواضح أن هذه قواعد ذهنية مفروضة على الصيغ، والصيغ في غنًى عنها ودالة بذاتها.
مقولة الإضافة: فهم النحاة العرب كل فعل بالإضافة إلى فاعله، فإذا لم يكن للفعل فاعل مذكور في الجملة فلا أقل من أن يقدره النحاة ليكون تفكيرهم متمشيًا مع منطق المقولات، وهنا نعود مرة أخرى إلى مثال ابن مضاء (زيدٌ قام) لنقول: إن زيدًا برغم كونه موجودًا في الجملة لم يصلح فاعلًا لتحكم فكرة المكان، فالفاعل يأتي بعد الفعل لا قبله، وإذا لم يصلح فاعلًا فلا بد إذن أن نقدر فاعلًا في الجملة، برغم أن صيغة الفعل الماضي تدل هنا بشكلها ودون الحاجة إلى تقدير على أن الفاعل مذكر غائب، ولو كان غير ذلك لغيرت صيغة الفعل، ومقولة الإضافة أيضًا مسئولة عن فكرة الإمالة فالاسم المُمال إنما اعتبر ممالًا بالإضافة إلى اسم آخر ألفه صريحة بقطع النظر عن أن كلًّا منهما أصل في لهجته الخاصة به، ولو درسنا اللهجة التي فيها الإمالة بمفردها ما احتجنا إلى التفكير في هذا الباب على الإطلاق، ولكن النحاة العرب أبوا إلا أن يدرسوا مجموعة من اللهجات في نحوٍ واحد، ومن هنا جاءت شدة الاضطرار إلى التقسيم إلى شاذ ومطرد.
مقولة الوضع: مسئولة عن فكرة الوضع الإعرابي الذي يفرض على الجملة برغم امتناع ظهور حركة إعرابية عليها، فتكون في محل رفع خبرًا (مثل «قام» في زيدٌ قام)، أو في محل نصب حالًا، أو في محل جر صفة، أو في محل نصب مقول القول … إلخ.
مقولة الملك: مسئولة عن تهميش الحركات (الفتحة، الكسرة، الضمة، السكون … ) في اللغة العربية، وتحولها إلى مجرد «علامات» على الحروف الصحيحة، رغم أنها حروف