للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفاعل والمفعول ولم يزد عليه، ثم جاء رجل من بني ليث فزاد في ذلك الكتاب ثم نظر فإذا في كلام العرب ما لا يدخل فيه فأقصر عنه. وأما أبو عمرو بن العلاء فحين سئل أيدخل كلام العرب كله فيما وضعت مما سميته عربية؟ قال: لا، فلما سئل كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة؟ قال: أعمل على الأكثر وأسمي ما خالفني لغات. هذه الحيلة المنهجية ذاتها … هذا التمييز بين النحو وما يخالفه هو بعينه ما يجعل المفارقة ظاهرة بين النحو واللغة؛ فاللغة باعتبارها ظاهرة متكاملة لا تقبل التمييز بين أطرافها. (١)

«إلا أن النحو الذي ابتدأ عربيًّا خالصًا من جهة المقولات الفكرية التي سيطرت عليه، انقلب به الأمر فانتصرت فيه ثقافة الأعاجم على ما عداها بما سيطر عليه من مقولات فكرية غريبة على طبيعة التفكير اللغوي العربي نفسه، وأريد به أن يكون سلطانًا قائمًا على العربية والشعراء.» (٢) وبعبارة أخرى فإن النحو لم يلبث أن انفصل عن اللغة وجعل يدرسها بفكرٍ غريبٍ عنها، واغترب عن مصدر الظاهرة اللغوية، وجعل يمتح من بئرٍ أخرى!

كان اللقاء بين النحو واللغة بعد طبقة النحويين العرب الأوائل لقاءً بين ثقافتين مختلفتين: الثقافة العربية التي تشربها العرب بالاتصال المباشر، وثقافة الأعاجم التي أخلص لها النحويون بطبيعة انتمائهم وكان أكثرهم من الموالي. وتؤرخ الخصومة بين موالي النحويين وبين الشعراء العرب للصراع بين هاتين الثقافتين. والخصومة بين الفرزدق الشاعر وعبد الله بن أبي إسحاق النحوي معروفة، فقد كان هذا النحوي يُخطِّئ الفرزدق ويلحنه في أبياته، والفرزدق يهجوه ويعنِّفه بشعرٍ وأقوال شهيرة، نجتزئ منها ما يلي لدلالته على جوهر الخصومة:

على ما يسوءُك وينوءُك، علينا أن نقول وعليكم أن تتأوَّلوا.

أما وجد هذا لبيتي مخرجًا في العربية؟

أما إني لو أشاء لقلت … ولكني لا أقوله.


(١) ابن النديم: الفهرست، دار المعرفة، بيروت، ط ٢، ١٩٩٧، ص ٦٢.
(٢) انظر في ذلك الدراسة القيمة: «الضرورة الشعرية» للأستاذالسيد إبراهيم محمد، دار الأندلس، بيروت، ط ٣، ص ٨٣ - ٨٤.

<<  <   >  >>