البحر «١» بحافة النيل، فتوجهت إليها وهو معى، وكان لنا فى الدار أمتعة وأسباب «٢» ، فوجدت رجلا سارقا قد فتح الأبواب وجعلها كارة «٣» عظيمة، وحملها على رأسه، فلما طلعنا من السلم عارضنا فى الطريق، فأردت أن أتكلم، فأشار إلىّ بالسكوت، فجعل اللص يزاحمنا فى السّلّم، وبعلى يلقى عنه الحائط «٤» ، فلما نزل قلت له: هذا سارق أخذ متاعنا، لأى سبب تركته؟
قال: وما يدريك أنّ ذلك يكون سببا لتوبته. قالت: فلم تمض أيام «٥» قلائل حتى جاءه رجل ومعه عبيد وحشم، فقال: يا سيدى، أريد أن أخلو بك، فجاء معه، فقال له: هل تذكر «٦» الرّجل الذي كنت تلقى عنه الحائط بيدك؟ قال: نعم. قال: يا سيدى أنا هو، ولقد بورك لى فى متاعك حتّى أنّ جميع ما تراه منه، ومعى آلاف، وقد جئت إليك بألف درهم وعبدين وجاريتين. فتبسم ثم قال له: منذ رأيتك دعوت لك بالبركة، والله لا أقبل منك شيئا. ثم دعا له بدعوات عظيمة، وقال له: اذهب فى حفظ الله وسلامته.
قالت: ثم صار الرجل فى كل قليل يأتى إليه يصلى، ويسلم عليه.
وكان الشريف- رحمه الله- حسن المذهب، كثير الأفضال كما ذكر فى أول ترجمته. وكانت ولادته فى سنة ستّ وثمانين ومائتين، وتوفى- رضى الله عنه- بمصر فى الرابع من شهر رجب، سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بعلّة يقال لها «التوثة»«٧» عرضت له فى حنكه وحلقه، وعولج بضروب العلاجات ولم