وكان أبو الطيب يقول: قال بعض الصّالحين، رضى الله عنهم:«من خلا بالله أظهره الله لعيون الناس «١» ، ومن خلا له أخفاه الله عن عيون الناس» .
وروى عنه أنه قال:«بتّ ليلة من اللّيالى فى أيام أبى حريش «٢» وكان يقول بخلق القرآن، وأنا متفكّر فى ذلك مهموم لما قد نزل بالناس من الفتنة، فبينا أنا نائم على فراشى إذا بهاتف قد جاءنى فقال لى: قم، فقمت، فقال لى:
قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل: لا والذي رفع السماء بلا دعائم للنظر، فتزيّنت بالسّاطعات اللّامعات وبالقمر، ما قال خلق فى القرآن بخلقه إلّا كفر، بل هو كلام منزّل من عند خلّاق البشر.
فلما فرغ قال لى: اكتب، فمددت يدى إلى كتاب من كتبى وكتبت، فلما أصبحت ذكرت الرّؤيا، فمددت يدى إلى طاقة كانت إلى جانبى، فوجدت خطّى فى كتاب من كتبى بما قال لى الهاتف، فجلست ولم أخرج إلى الطريق، فلما علا النهار خرجت إلى حوائجى، فمشيت قليلا، فإذا برجل قد قام وسلّم علىّ وقال لى: أخبرنى بالرؤيا التى رأيتها البارحة، فقلت: من أخبرك بها؟
قال: قد ذاعت بين الناس وتحدّثوا بها، فأخبرته بها» .
وتوفى أبو الطّيّب بن غلبون سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. وقيل: كان أبو الطيب وإخوته الثلاثة يقرءون فى كل يوم ختمة، فمات أحدهم فقرأ الثلاثة الختمة، فمات الثانى، فقرأ الأخوان الختمة، فمات الأخ الثالث، فقام الرابع بقراءة الجميع، ثم توفى الآخر وبقيت أختهم «٣» ، وإنها تزوّجت، فجاءت ليلة