من تألّف الهموم؟ أين خدّامه الصّيام؟ أين عمّاله القيام «١» ؟ أين من ذاق ما أصف؟ أين من جدّ ملتهف «٢» ، أين من كان ذكره غذاه، أين من قلبه مرآه؟ أين من بان واستبان؟
يا ذا النّون، فلو رأيتهم وقد أخرجهم بعد ما أحسن تقويمهم، وأجلسهم على كراسى الأطبّاء وأهل المعرفة، وجعل تلامذتهم أهل الورع والتّقى، وضمن لهم الإجابة عند النداء، ثم قال لهم: يا أوليائى وأهل صفوتى، إن أتاكم عليل فداووه، أو فارّ منّى فردّوه، أو آيس من رحمتى وفضلى فعدوه، أو مبارز لى بالمعاصى فنادوه، أو مستوصف نحوى فدلّوه، أو خائف منّى فأمّنوه، أو مسىء بعد إحسان فرغّبوه، أو من جنا «٣» جناية وحزن فسرّوه، وإن وهبت لكم هبة فشاطروه.. ويا أهل صفوتى من خلقى لا يفزعنّكم صوت جبّار دونى، ولا مخلوق من خلقى.
إنه من أراد بكم سوءا «٤» قصمته، ومن آذاكم «٥» أهلكته، ومن عاداكم عاديته، ومن أحبّكم «٦» أحببته.
فلما نظر القوم إلى حسن لطفه بهم اجتهدوا غاية الاجتهاد «٧» ، وألفت الجوارح منهم المسارعة إلى مرضاته، والمبادرة إلى خدمته «٨» ، وأسقطت