ثم أخرج لهم حيلة المنشار، فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار إلى رأس زكريا، فأنّ أنّة، فأوحى الله تعالى إليه: يا زكريا، إن أنّيت ثانية لأمحونّك من ديوان النّبوّة. فصبر «١» زكريا حتى نشر نصفين.
قال أبو الخير: فقلت [فى نفسى]«٢» : إلهى وسيدى، إن ابتليتنى لأصبرنّ. وسرت حتى دخلت «٣» أنطاكية، فرآنى بعض إخوانى «٤» ، وعلم أنى أريد الغزو، وكنت يومئذ أستحى «٥» من الله تعالى أن آوى إلى وراء سور، فدفع لى سيفا وترسا وحربة «٦» ، فدخلت الثغر خيفة من العدو «٧» ، فجعلت مقامى فى غابة أكون فيها بالنهار، فإذا جاء الليل خرجت إلى الساحل فأغرز الحربة وأسند الترس إليها محرابا «٨» ، وأتقلد بسيفى وأصلى إلى الغداة «٩» ، فإذا صليت الصبح عدت إلى الغابة فكنت فيها نهارى. ثم خرجت يوما فنظرت إلى شجرة كرم قد أينعت وفيها عنقود قد وقع عليه النّدى «١٠» وهو يبرق، فاستحسنته، ونسيت عهدى مع الله تعالى وقسمى ألّا أمدّ يدى إلى شىء مما تنبته الأرض، فمددت يدى إلى الشجرة فقطعت منها عنقودا، وجعلت بعضه فى.