هل لك أن تلى مصر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّى أضعف عن ذلك، وأنا رجل من الموالى. فقال أبو جعفر: ما بك من ضعف، فإذا أبيت فدلّنى على رجل أقلّده أمر مصر. فقال: عثمان بن الحكم الخزامى، رجل فيه صلاح وله غيرة. قال: فولّاه ذلك.
وقال ابن خلّكان: رأيت فى بعض التعاليق أنّ الليث كان حنفّى المذهب، وأنه ولى القضاء بمصر. وكان الليث فى ابتداء أمره فقيرا لم يكن بتلك السّعة العظيمة، بل كان له مال قليل لم يكن بالواسع، حتى حلف هارون الرشيد بالطلاق من زوجته زبيدة بنت القاسم أنه من أهل الجنة، ثم ندم واعتزل عنها، وجمع كلّ فقيه فى بلده، فأفتاه جميعهم بالوقوع «١» ، فأنفذ خلف الفقهاء المصريين، فدخل عليه فى جملتهم الليث بن سعد، فجلس فى آخر الناس، وضرب الرشيد ستر «الزبيدة» وقص عليهم قصتها، فأفتى الجميع بالحنث إلّا الليث، فإنه أطرق، فقال الرشيد لأستاذ: امض وادع لى ذلك الرجل، فجاء به إليه فقال: أنت فقيه؟ قال: نعم. قال: ما تقول فيما قال أصحابك؟
قال: إن أردت الجواب فأمر بإخراج الجميع. فأخرجوا، وبقى الرشيد والليث وزبيدة، فدعا الليث بالمصحف الكريم فقال: سألتك بالله العظيم، هل قدرت على معصية وتركتها قط؟ قال: نعم، هويت امرأة، وبذلت لها مالا عظيما حتى أذنت لى بالوصال، ثم جاءت إلى عندى- وكانت ليلة جمعة- فلما دخلت إليها تذكرت عظمة الله تعالى، وأنه جبّار منتقم، وقلت: هذه ليلة جمعة، فخرجت على فورى. فقال الليث: قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى
«٢» . ثم قال:
أقسمت عليك بالله العظيم لمّا خفت، هل كنت خائفا فى ذلك الوقت من الله تعالى، أو كنت بخلاف ذلك؟ فقال: والله ما كنت إلّا خائفا.