ولكنها ضاقت علىّ بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أرجو دنوّه ... وأخلاقه من سوء قسمى تخالف «١»
وكان له أخ بزّاز بمصر، فبلغه قدوم الشيخ من بغداد إلى أرض مصر، فنذر: أنّ أوّل من يبشّره بقدوم أخيه يدفع له مائة دينار، ثم إنّه وزنها وصرّها فى صرّة، وجعلها فى رفّ فى حانوته، وبلغ ذلك الشيخ عبد الوهاب، فجاء إلى القرافة ودخل إلى سوقها فوجد رجلا يضفّر الخوص «٢» ، فجلس عنده وتحدث معه، ثم قال له: بكم تعمل كلّ يوم؟ قال: بنصف درهم. فقال:
ألك عيال؟ قال: نعم. فقال له: هل أدلّك على شىء يغنيك عن هذا؟ قال:
يا سيدى افعل ما أنت أهله. فقال له: قم واذهب إلى سوق البزّازين بمصر، واسأل عن أخى عبد الوهاب البغدادى، فإذا اجتمعت عليه سلّم عليه وقل له:
إنّ أخاك وصل إلى هنا وهو يقرئك السلام وهو عندى.
فقام الرجل من وقته وساعته وتوجّه إلى مصر، ودخل سوق البزازين، وسأل عن أخى عبد الوهاب، فدلّه الناس عليه، فلما اجتمع به سلّم عليه وأخبره، ففرح بذلك فرحا شديدا، وأعطاه المائة دينار، وقام معه إلى الشيخ، واجتمع كلّ واحد منهما بصاحبه. وأقام الشيخ عبد الوهاب بمصر، ورزق بها حظّا عظيما. وكان مولده فى سابع شوال سنة ٣٦٢ هـ. وتوفى فى رابع صفر الخير سنة ٤٢٢ هـ، وقيل بل فى شهر شعبان. وحكى عنه أنه لمّا مات أضاء البيت نورا، وسمع أهل المنزل قائلا يقول: هذه أنوار الأعمال الصادرة عن الأبرار.
وقال العلّامة شمس الدين محمد بن أحمد بن خلّكان فى كتابه المسمّى بوفيات الأعيان فى ترجمته بعد ذكر نسبه المذكور: ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد