وقالوا: مجنون، فقام الخواص وجاء إلى عندى، وجعل يواسينى ثم قال: هل تأكل شيئا؟ فقلت: بعد المغرب. فقال: أحسنتم يا أهل الابتداء، أنتم على هذا تفلحون.
ثم قام، فلما صلّينا العشاء الأخيرة جاءنى بقصعة فيها عدس، ثم جاءنى برغيفين من خبز البرود، ودورق من الماء، قال: فوضعتهم ناحية، ثم جلست أحادثه، فقال لى: دع الكلام وكل. قال: فأكلت الرغيفين والعدس، ثم قال لى: هل لك فى الزيادة؟ قلت: نعم. فجاءنى بقصعة أخرى ورغيفين، فأكلت الجميع، وشربت الماء، ونمت إلى الصباح، ولم أقم تلك الليلة، ولم أطف، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال لى:«يا بنان، من أكل بشره أعمى الله عين قلبه»«١» . قال: فانتبهت وعقدت مع الله ألّا أشبع بعد هذه الرّؤيا.
وروى عن ابن القاسم غلام «بنان» قال: كنت يوما عند «بنان» فخرج من منزله، فلقى أبا جعفر الطحاوىّ، فقال له: أنا قاصد إلى منزلك يا «بنان» ، فرجع «بنان» معه، وترجّل الطحاوى عن دابته ومشى معه، فنزع «بنان» نعليه وقال: «ترجّل لى وترجّلت له» .
وروى ابن حمزة قال: كان أبو الحسن «بنان» جالسا عندى على طرف حانوتى «٢» وأنا فى صدر الحانوت، فبينما نحن جلوس إذ أقبل رجل من أهل اليسار راكبا على بغلة وعليه ثياب حسنة، فترجّل عن دابته ودخل إلىّ فى صدر الحانوت، وقال: أريد من إحسانك أن تسأل لى هذا الشيخ أن يدعو لوالدتى فإنها مريضة من حمّى لا تفتر عنها.
قال: فقلت: يا أبا الحسن، إن هذا الرجل ذكر لى أنّ والدته مريضة من حمّى لا تفتر عنها، وسألنى أن أسألك الدعاء لها.