وحكى عنه أنه حجّ فى سنة إلى بيت الله الحرام، ورجع إلى العراق فى قافلة، فاجتاز «١» بمكان يعرف برأس العين من بلاد «حلب» ، فصادفه أمير البلدة- وكان ظالما- يقال له: حسام الدين. فقال له: يا شيخ، انزل أنت والقافلة- وكان الشيخ مقدّما فيها- فنزل الشيخ ونزل الناس، وجاء العشّار «٢» فأخذ عادته من أعمال التجار، ثم جاء الأمير وأعوانه والعشّار لينظروا ما مع الشيخ، فقال له الأمير: ما معك أيها الشيخ؟ قال: معى هذا الحمل من الكتب لا غير. قال: فأمر الأمير بعض غلمانه وقال له: افتح هذا الحمل وآتنى بما تجده «٣» من كتب الأدب واللغة والأشعار الرّائقة، والخطوط الفائقة.
فجاء الغلام لفتح العدلين «٤» ، وتوجّه الأمير، فدفع الشيخ للغلام دينارين، وقال له: سألتك بالله لا تفتح هذا الحمل واتركه. قال: فترك الغلام وذهب، ورحلت «٥» القافلة. فسأل الأمير الغلام: هل وجدت شيئا؟
قال: لا. قال: لا بدّ لى من أن أنظر فى هذا الحمل.
ثم أمر برجوع القافلة، فرجعت، ثم إنّ الشيخ اعتزل ناحية وصلّى، ودعا الله سبحانه وتعالى ألّا يجعل عليهم سبيلا، وأن يصرف عنه كيدهم. ثم إنّ الأمير دعاه وقال له: افتح هذا الحمل. ففتحه، وتقدّم الغلام فأخرج كتاب «الموطّأ» بخطّ ردىء، ثم أخرج كتابا آخر بخط ردىء، ثم آخر.. فقال:
الظّاهر أنّ جميع الكتب بهذه الخطوط الرديئة! ثم قال: يا شيخ، سر فى حفظ الله تعالى.