قال: فشدّ الشيخ الحمل ووضعه على ظهر الجمل وسار، وسارت القافلة قليلا فإذا بإنسان يعدو خلف القافلة وهو يقول: يا شيخ، ارجع وخذ ما دفعت للغلام. فقال الشيخ: لا رجعة «١» لى فيما خرجت عنه. فرجع الغلام، وسار الشيخ سالما، وكفاه الله شرّهم ببركته.
وقيل: إنّ رجلا ادّعى على ولد أخى الشيخ أنه أودع عنده وديعة تساوى عشرة دنانير، وأنّ الشيخ يشهد على ابن أخيه بالوديعة.
فأحضر الشيخ، فقال: ليس لى علم بذلك. فقال: لا، بل علمت ذلك، وقد دخل بالوديعة إلى منزلك، وهى فى دارك. فقال ولد أخيه للرّجل:
هل لك فى المحاكمة؟ قال: نعم.
فجاء الرجل والشيخ وولد أخيه إلى القاضى «٢» ، فأخبره المدّعى بقصته، فقال القاضى للشيخ: أحقّ ما قاله هذا الرجل يا سيدى؟ قال: لا والله.
فقال المدّعى: بل والله حقّ ذلك. فقال القاضى: أنا أدفع لك شيئا من مالى ودع الشيخ. فقال: والله لا أتركه إلّا بعشرة دنانير أو يحلف أنّ الوديعة لم تدخل إلى داره، وأنه لا يعلم ذلك.
فحلف الشيخ أنه لم يعلم ذلك، ولم يعلم بذلك. ثم لمّا فرغ من اليمين قال: اللهمّ إن كان هذا ظلمنى وهو يعلم أننى برىء ممّا قال، فأظهر فيه آية لخلقك.
ثم توجّه كلّ منهما إلى حال سبيله، فلم تمض على الرّجل ثلاثة أيام حتى عمى «٣» وصار إلى حالة دميمة، ثم صار شحّاذا وصار يقول: ارحموا من استجيبت فيه دعوة رجل صالح. ومات بعد ذلك فى مخزن ولم يعلم به إلّا بعد ثلاثة أيام.